فإِثبات ما أَثبته الله لنفسه لا يحتاج إِلى هذا العناء لكنه (التأْويل) بِنَفَسِ التحريف, حتى ولو اعتور العبارة قصور البلاغة.
وما أَلطف ما قال السكاكي في ((مفتاح العلوم)): (ص / 70) مشيراً إِلى شرط البلاغة في فني المعاني والبيان للمفسر: (الويل كل الويل لمن تعاطى التفسير, وهو فيهما راجل. .) انتهى.
ومنها: في: ((صفوة التفاسير)): (2/ 198) صَحَّح أَن الخضر ولي وليس بنبي. فتعقبه صاحب ((التنبيهات)): (ص / 30, 37) مدللاً على أَنه نبي. فرد عليه الكاتب (ص / 41, 49) من ((كشف الافتراءات)) لما يلي:
أَن الخضر - عليه السلام - ولي, وأَن هذا قول الأَكثرية, وأَنه في كل مسأَلة خلافية يلتزم مذهب الجمهور لأَنه الأَقوى, وأَن ابن تيمية في ((فتاويه)) ذهب إِلى القول بولاية الخضر, ورجح أَنه حي ولما ساق صاحب ((التنبيهات)) ستة أَدلة من كتاب الله تعالى على نبوة الخضر قال هذا الكاتب (ص / 41): (واستدل بأَدلة غريبة فيها سذاجة وبلاهة) اهـ.
في رده عظائم:
الأُولى: أَنه نسب القول بأَن الخضر ولي وليس بنبي إِلى الأَكثرية وهذا خلاف التحقيق, فإِن في حال الخضر أَقولاً ثلاثة:
1 - أَنه ملك من الملائكة, وهذا قول مهجور, قال عنه النووي في ((شرح مسلم)): (15/ 136) غريب باطل, وقال ابن كثير في: ((تاريخه)) (1/ 328): (هذا غريب جداً).
2 - أَنه ولي, وعلى هذا عامة الصوفية, قال الحافظ ابن حجر في ((الزهر النضر)): (ص / 69): (وذهب إِلى أَنه كان ولياً جماعة من الصوفية, قال به أَبو يعلى, وابن أَبي موسى من الحنابلة, وأَبو بكر بن الأَنباري في كتابه ((الزاهر)).) انتهى. ولبعضهم في ولايته عظائم يصل بعضها إِلى الكفر كما نبه عليه جمع من العلماء منهم: شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في ((الفتاوى)): (11/ 422) , (13/ 267) و ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص / 560, 561).
3 - أَنه نبي وهو قول الجمهور, حكاه أَبو حيان في ((البحر المحيط)): (6/ 147) , وحكاه الرازي في ((تفسيره)) , وعن الشنقيطي في ((أَضواء البيان)): (3/ 162) , وعزاه القرطبي أَيضاً للجمهور كما في ((تفسيره)): (11/ 16, 28) , والآلوسي في ((روح المعاني)): (15/ 19) , بل قال الثعلبي: هو نبي في جميع الأَقوال, كما نقله من أَبي حيان في ((البحر المحيط)): (6/ 147) , والنووي في ((شرح مسلم)): (15/ 136) , والقرطبي في ((تفسيره)): (6/ 147) , والحافظ ابن حجر في ((الزهر النضر)): (ص / 67) , وقال: (وكان بعض أَكابر العلماء يقول: أَول عقدة تحل من الزندقة, اعتقاد كون الخضر نبياً, لأَن الزنادقة يتذرعون بكونه غير نبي إَلى أَن الولي أَفضل من النبي كما قال قائلهم:
مقام النبوة في برزخ ** فويق الرسول ودون الولي
أَمَّا هذا الكاتب: فقد قال: إِن القول بأَن الخضر ولي هو قول ((الأَكثرين) , وعزا حكايته إِلى ابن تيمية, وابن كثير, والسيوطي. وفي هذا من التخون, والتغالط في النقل ما ستراه: ذلك أَن هذا النقل عن شيخ الإِسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - عن ((مجموع الفتاوى)): (4/ 338) الذي أَفاد أَن الخضر ولي, وأَن هذا قول الأَكثرين, وأَنه مازال حياً.
وهذه الفتوى لم نَرَ من نقلها عن شيخ الإِسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - قبل الشيخ ابن قاسم - رحمه الله تعالى -, جامع الفتاوى, وقد علق عليها بقوله (4/ 338): (هكذا وجدت هذه الرسالة) اهـ. ومعلوم أَن الشيخ ابن قاسم - رحمه الله تعالى - لا يعلق على الفتاوى بمثل ذلك, فلولا أَنه في شك من هذه الفتوى لما علق عليها لأَنها تخالف سائر فتاويه وأَقواله في الخضر, وما ينقله عنه الكافة, وبخاصة أَخص تلامذته به ابن القيم - رحمه الله تعالى- ويأْتي مزيد لهذا. ثم إِذا سلمنا أَن هذه الفتوى لابن تيمية, أَلا يلزم العالم المحقق أَن يقف على جميع كلامه, هل له في المسأَلة رأْيان, أَم ماذا؟
وأَما الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - فقال في ((تفسيره)) (3/ 99):
(وذهب كثيرون إِلى أَنه لم يكن نبياً بل كان ولياً) اهـ.
ولم يقل: وذهب الأَكثرون فتنبه؟ والكاتب لا يفرق بين الصفتين فقال (ص / 43): (كما صرح الحافظ ابن كثير بأَن هذا قول الأَكثرين -ثم ذكره) اهـ. وهذا تغالط عليه فسقط التحجج به.
¥