وأَما المحلِّي - رحمه الله تعالى - في كلامه إِجمال مانع من فهم المراد بالعلماء هل هم علماء الصوفية فنعم, أَو العلماء المحققون فلا؟
فالحال كما ترى: ابن كثير لم يعزه للجمهور (الأَكثرين) , والمحلِّي ناقل فعن مَنْ؟ وابن تيمية فتواه هذه تناقضها فتاواه الأُخرى, وأُصوله السنية التي درج عليها, فهذه الفتوى - إِن كانت له - فهي مهجورة لم يحصل عزوها إِليه قبل ولا حكاية مضمونها عنه من معتبر. فكل هذه سياقات من متشابه القول, وضعف التحقيق, لدى هذا الكاتب فنعوذ بالله من الهوى.
تنبيه مهم:
في ((تفسير ابن كثير)): (3/ 99) , قال ما نصه:
(وذكروا في ذلك - أَي في حياة الخضر - حكايات وآثاراً عن السلف وغيرهم, جاء ذكره في بعض الأَحاديث, ولا يصح شيء من ذلك, وأَشهرها أَحاديث التعزية, وإِسناده ضعيف) انتهى. والكاتب في ((مختصر تفسير ابن كثير)): (2/ 432) حذف هذا المقطع النفيس من كلام ابن كثير, وهو تحقيق بالغ من حافظ بارع. هذا مع أَن الكلام الذي عزاه إِلى ابن كثير (ص / 43) ليس بسياق ابن كثير؟ والله المستعان
الثانية: أن الكاتب قال في ((كشف الافتراءات)) (ص / 42):
(لقد التزمت في تفسيري, بمذهب الجمهور, فكل مسأَلة خلافية أَرجح القول الأَقوى, وهو مذهب الجمهور, لأَن يد الله مع الجماعة, ولا تجتمع أُمة محمد على ضلالة, كما جاء في الحديث الشريف, فالغالب أَن يكون ما ذهب إِليه الأَكثرون هو الأَصح والأَرجح, مع عدم الجزم والقطع بأَن هذا هو الصواب وحده) انتهى.
هذا كلام متدافع يضرب بعضه بعضاً, فمذهب الجمهور لا يعد إِجماعاً والحق في أَحد القولين أَو الأَقوال, إِذ الحق واحد لا يتعدد, وليس أَخذ الجمهور برأْي موجباً للأَخذ به, ومباحث هذا معلومة لدى الأُصوليين وفي كتب ((الاجتهاد والتقليد)) و ((آداب الخلاف)) , والمحققون من العلماء على رده قديماً وحديثاً, لما يؤول إِليه من معارضة النص بالرأْي, وكم بلي الناس في شرور هذه المعارضة والله المستعان.
وفي خصوص هذه المسأَلة يقال: إِذا كان المعيار في الترجيح هو: (جمهرة القائلين) , فبأَي الجمهرتين يأْخذ, وقد أَريناك يا هذا كثرة الناقلين لمذهب الجمهور من أَن الخضر - عليه السلام - نبي وليس ولياً, وأَنه لا تسلم نسبة القول بولايته, إِلى الجمهور, وإِن سلم ذلك فبأَي الجمهرتين تأْخذ؟
نعم لم يبق إِلا التعويل على التقعيد السليم من أَن أَقوال العلماء (يحتج لها بالدليل لا يحتج بها على الدليل) , مجتنبين, الشذوذ, وأَسباب الخلاف الضئيل, المبني على التغالط, وترويج رواسب التقليد, وإِشاعة الشذوذ.
الثالثة: أَنه قرر القول بحياة الخضر - عليه السلام - وعزاه إِلى شيخ الإِسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - وهو هنا: قد تنكب بمرة ما ينقض عليه قوله وهو أَمام عينه وجانب التحقيق عمداً أَو جهلاً, وكلاهما وارد:
إِنه هجر المشهور المعتبر, بتناقل الكافة له, من كلام شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- من أَن الخضر - عليه السلام - غير حي, وأَنه قد مات كغيره من البشر. وهذا هو ما ذكره في ((الفتاوى)) (27/ 100) قال: (والصواب الذي عليه المحققون أَنه ميت. . .) اهـ. ثم ساق الأَدلة بجلاء, وانظر: ((الفتاوى)) (4/ 337) , وكتاب الزيارة له (ص / 42) , وهو الذي حكاه عنه أَخص الناس به تلميذه ابن القيم كما في ((المنار المنيف)) (ص / 68). والقول بوفاته وأَنه لم يدرك بعثة النبي ?. هو اختيار المحققين من أَهل العلم منهم: البخاري, وإِبراهيم الحربي, وابن المنادي, والشرف المرسي, وأَبو طاهر العبادي, وأَبو يعلى القاضي, وأَبو الفضل بن ناصر, وابن العربي, وابن النقاش, وابن الجوزي, وابن حجر العسقلاني, وغيرهم. وقال ابن القيم في ((المنار المنيف)): (ص / 67): (لم يصح في حياته حديث واحد) اهـ. وقرر ذلك من قبل من أَنه لم يصح في حياته حديث: ابن دحية, وابن الجوزي, كما نقله عنه ابن دحية: الحافظ ابن حجر في ((الزهر النضر)): (ص / 80) , ونقله عن ابن الجوزي: ابن القيم في ((المنار المنيف)): (ص / 69, 76). والله سبحانه يقول: ? وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ?. وقال النَّبِيُّ ? في آخر عمره: ((أَرأَيتكم ليلتكم هذه فإِن على رأَس مائة سنة لا يبقى على وجه الأَرض ممن هو
¥