تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلى الرغم من جمع القرآن، وتدوينه في مصحف واحد، وجَمْع المسلمين عليه، فإن تلاوته ظلت تعتمد على الرواية الصحيحة، بالسند الصحيح المتواتر عن الرسول r. فقد قرأه صحابته عليه، وسمعه التابعون من الصحابة، وأخذوه عنهم، فتوالت قراءته بالسند الصحيح، على مرّ الأيام والسنين، وتَعاقُب أجيال الرجال، جيلاً بعد جيل، في الأمصار الإسلامية. وثبتت القراءة بذلك سُنّةً متّبَعة، يأخذها الخلف عن السلف كما يسمعها ويحفظها.

قال أبو بكر ابن مجاهد:

حدثنا موسى بن إسحاق أبو بكر، قال: حدثنا عيسى بن مِينا قالُونُ، قال: حدثنا ابن أبي الزِّنَاد، عن أبيه، عن خارجةَ بنِ زيد بن ثابت، عن أبيه، قال: «القراءة سُنّة» ([33]).

وزيد بن ثابت هو الصحابي الجليل كاتب الوحي في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم، وجامع القرآن في عهد أبي بكر الصديق، وابنه خارجةُ محدِّث من الفقهاء في المدينة، وأبو الزناد القرشي المدني قارئ ثقة، توفي سنة 130 هـ، وابنه عبد الرحمن محدِّثٌ، روى القراءة عن نافع إمام أهل المدينة، توفي سنة 164 هـ. أما قالون، فهو راوي قراءة نافع، توفي سنة 220 هـ. وأبو بكر موسى بن إسحاق الأنصاري القاضي راوي القراءة عن قالون، توفي سنة 297 هـ.

وقال أبو بكر ابن مجاهد أيضاً:

حدثني عبد الله بن سليمان، قال: حدثنا عمرو بن عثمان الحِمْصِي، قال: حدثنا إسماعيل بن عَيّاش، عن شُعَيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدِر، قال: سمعته يقول: قراءة القرآن سنّة، يأخذها الآخِر عن الأول. قال: وسمعت أيضاً بعض أشياخنا يقول عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز مثل ذلك ([34]).

® ® ®

ونبغ في الأمصار الإسلامية قراء كثيرون، تلقَّوا القراءة من أجيال التابعين، منهم أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وأبو عبد الرحمن نافع بن عبد الرحمن بن أبي نُعَيْم في المدينة، وعبد الله بن كَثِير إمام أهل مكة في القراءة، وأبو بكر عاصم بن أبي النَّجُود مقرئ أهل الكوفة، وأبو عمرو بن العلاء التميمي إمام القرّاء في البصرة، وعبد الله بن عامر اليَحْصُبِي إمام أهل الشام في القراءة، ومنهم خلف بن هشام البَزَّار البغدادي الذي لمع في القراءة ببغداد.

وقد كثر عدد أئمة القراءة في كل مصر، مع مرور الزمن، أمثال هؤلاء القراء الذين ذكرناهم. وصار المسلمون يحملون عن كل إمام قارئ قراءته الخاصة التي اختارها، ويقرؤون بها، ويعلمونها جمهور الناس، فدعت هذه الزيادة في عدد القراء بعض العلماء إلى تأليف الكتب في القراءة والقراء. نذكر منهم يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاقَ الحضرميَّ، وهو من أهل بيت العلم بالقرآن والعربية، وكان أقرأ القراء، وأُخِذَ عنه عامة حروف القرآن، من قراءة الحَرَمِيّينَ والعراقيين والشام وغيرهم.» وليعقوب كتاب، سماه "الجامع". جمع فيه عامة اختلاف وجوه القراءات، ونسب كل حرف إلى من قرأ به. وتوفي سنة خمسين ومائتين «([35]).

ومن العلماء بكتاب الله تعالى وسنة رسوله أبو عُبَيْد القاسم بن سلاّم الذي جمع القراءات في كتاب، وجعل القرّاء خمسة وعشرين ([36])، وتوفي سنة أربع وعشرين ومائتين. ومنهم أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السِّجِسْتَانِي الذي ألف كتاباً في القراءات ذكر فيه القرّاء والعلماء ([37]). قال عنه القِفْطِي:» وكتابه في القراءات مما يفخر به أهل البصرة، فإنه أجلُّ كتاب صُنِّف في هذا النوع إلى اليوم «([38]). وكان بعده أحمد بن جُبَيْر بن محمد الكوفي، نزيل أنطاكِيَة،» جمع كتاباً في قراءات الخمسة، من كل مصر واحد «([39]). يريد الأمصار الإسلامية الخمسة التي اشتهرت بقراءة القرآن والقراء، وهي المدينة ومكة والبصرة والكوفة والشام. وتوفي سنة ثمان وخمسين ومائتين. وكان بعده القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي، صاحب قالون عيسى بن مِينا. ألَّف كتاباً في القراءات، جمع فيه قراءة عشرين إماماً ([40]). توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين. وكان بعده الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، جمع كتاباً حافلاً، سماه "الجامع"، فيه نيّف وعشرون قراءة ([41]). توفي سنة عشر وثلاثمائة. وكان بُعَيْدَه أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الداجوني، جمع كتاباً في القراءات أيضاً، وذكر فيه بين القراء أبا جعفر يزيد بن القعقاع مقرئ أهل المدينة ([42]). وتوفي سنة أ ربع وعشرين وثلاثمائة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير