كتاب "السبعة" للإمام الحافظ الأستاذ أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي البغدادي. وتوفي بها في العشرين من شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. أخبرني به الشيخ المُسْنِد الرُّحَلَة أبو حفص عمر بن الحسن بن مَزْيَد بن أميلة المَرَاغِي بقراءتي عليه، في سنة سبعين وسبعمائة، بالمِزَّة الفوقانية، ظاهر دمشق، عن شيخه أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المَقْدِسِي، عن الإمام أبي اليُمْن زيد بن الحسن بن زيد الكِنْدِي سماعاً لبعض حروفه، وإجازة لباقيه. وقرأت القرآن بِمُضَمَّنِهِ على الشيخ أبي محمد بن البغدادي، وإلى أثناء سورة النحل على أبي بكر بن الجندي. وأخبرني أنهما قرآ به على شيخهما أبي عبد الله محمد بن أحمد الصائغ. قال: قرأت به على الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل التميمي. قال: قرأت به على أبي اليمن الكِنْدِي. قال الكندي: أخبرنا به أبو الحسن محمد بن أحمد بن توبةَ الأسدي المقرئ قراءة عليه، وأنا أسمع. قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هَزَارِ مَرْد الخطيب الصَّرِيفيني. قال: أخبرنا أبو حفص عمر بن إبراهيم بن أحمد بن كثير الكتاني. قال: أخبرنا المؤلف المذكور سماعاً عليه لجميعها، وتلاوة لقراءة عاصم. وهذا إسناد لا يوجد اليوم أعلى منه، مع صحته واتصاله ([46]).
وقام العلماء بعد أبي بكر ابن مجاهد، فألّفوا في القراءات أنواع الكتب. ومنهم أبو بكر أحمد بن الحسين بن مِهْران الأصبهاني الذي ألّف كتباً في القراءات ([47]). منها كتاب "المبسوط في القراءات العشر" ([48])، ذكر فيه قراءة القرّاء السبعة الذين اختارهم ابن مجاهد، وأضاف إليهم قراءات ثلاثة أئمة آخرين. وهؤلاء الثلاثة هم:
1. أبو جعفر يزيد بن القعقاع القارئ المدني، المتوفى سنة 130 هـ؛
2. أبو محمد يعقوب بن إسحاق بن زيد بن أبي إسحاق الحَضْرَمِي، إمام أهل البصرة ومقرئها في زمنه. توفي سنة 205 هـ؛
3. أبو محمد خلف بن هشام بن طالب البَّزَّار البغدادي. توفي سنة 229 هـ.
® ® ®
ثم ألّف أبو الحسن طاهر بن أبي الطيب عبد المنعم بن عبيد الله بن غَلْبُون الحلبي، نزيل مصر، كتاب "التذكرة في القراءات الثماني". وتوفي سنة 399 هـ ([49]).
وتبعه أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي، وألّف كتاب "المنتهى في القراءات العشر" الذي جمع فيه ما لم يجمعه أحد قبله. وتوفي سنة ثمان وأربعمائة ([50]).
وفي هذه الفترة الخصيبة، من القرن الرابع والقرن الخامس، التي كثر فيها التأليف في علم القراءات، وشاع في الأمصار، ولا سيما في العراق، نشأ الإمام أبو محمد العُمَاني، وألّف "الكتاب الأوسط في علم القراءات" سنة 413 هـ، كما ذكر هو نفسه في الصفحة 13 من الكتاب ([51]).
الإمام أبو محمد العماني
هو أبو محمد الحسن بن علي بن سعيد المقرئ العماني، كما قال هو نفسه في أول الكتاب.
ولا نعرف شيئاً كثيراً عن حياة هذا الإمام العالم، إذ لم تذكر المصادر القديمة عنه إلا نزراً قليلاً من الأخبار، وهي لا تكفي لرسم معالم واضحة في مسيرة حياته، وبيان نشأته، وتكوين ثقافته.
وأول من ذكره هو عَلَم الدين علي بن محمد السَّخَاوي المتوفى سنة 643 هـ، في كتابه "جمال القراء وكمال الإقراء" في فصل:» القول في "بَلَى" «. وقد نقل كلامه في هذه المسألة من مسائل الوقف والابتداء في قراءة آيات القرآن. قال السخاوي:
وقال أبو محمد الحسن بن علي بن سعيد المعروف بالعُماني، في قوله عزّ وجلّ {بَلَى، مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} ([52]) ونحوه: يُبْتَدأ بـ» بَلَى «، وهو جواب لقولهم:» لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً «([53]). فقيل لهم: بَلَى، تدخلونها وتخلدون فيها. وقال في قوله عزّ وجلّ: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أوْ نَصَارى، تلك أَمَانِيُهُمْ، قُلْ: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. بَلَى ... } ([54]): لم يُجِزْ أحدٌ منهم الوقفَ على» بَلَى «، لأن ما بعده في جملة الجواب ([55]).
ثم أورد السخاوي رأي الإمام العماني القاطع في هذه المسألة:
قال: والوقف على» بَلَى «في الآيتين غلط. ومَنْ أجازه فقد أخطأ، لأن» بَلَى «وإن كان جواباً للجَحْد الذي قبله فهو إيجاب لما بعده، فلا يُفْصَل بينه وبين الشيء الذي يُوجِبه ([56]).
¥