تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويبدو أن استقراره بمستقرّه في عُمَانَ لم يدم طويلاً، إذ نراه قد عزم على الرحيل ثانياً سنة 404 هـ، لسبب لم يبينه، وترك وراءه صحيفة شيخه أبي الحسن الكريزي البصري، وتعليقة قراءاته عنه، خشية عليهما من الضياع، وأملاً في العودة القريبة إلى الوطن. وفي هذه الرحلة الثانية أملى "الكتاب الأوسط في علم القراءات"، وهو أول كتاب وضعه فيما نرى. وكان ذلك حين وصل في ترحاله إلى إقليم سجستان وحلّ فيه.

قال في بيان عودته إلى عُمان من رحلة العلم، ورحيله الثاني عن الوطن، وتأليف الكتاب:

فلما عدت إلى مستقري بعُمان، ثم عزمت على الحركة ثانياً، سنة أربع وأربعمئة، أشفقت على تلك الصحيفة والتعليق، فخلّفتهما هناك إشفاقاً عليهما، وطمعاً في العودة إلى الوطن. فلم يتسهّل إل هذه السنة، وهي سنة ثلاثَ عشرة وأربعمئة، فسئلت فيها إملاء هذا الكتاب، فأمليته مستعيناً بالله تعالى، راجياً توفيقه ([66]).

ولا ندري هل عاد الإمام العماني إلى وطنه من رحلته الثانية، بعد تأليف هذا الكتاب، أو ظل بعيداً في الاغتراب؛ ولا ندري شيئاً من أخباره وأحواله وأعماله بعد هذه السنة التي ذكرها سوى تأليفه، في زمن لا نعرفه، كتابه الكبير الشهير "المرشد في الوقف والابتداء في قراءة آيات القرآن وبيان أحكامها وعِلَلها والاحتجاج لها"، وهو أكبر كتاب معروف في بابه، أثنى عليه ثناء حسناً شمس الدين أبو الخير الجَزَرِي في كتابه "غاية النهاية في طبقات القراء" كما عرفنا آنفاً غير بعيد.

وقد أشار الإمام العُماني نفسه، في مواضع عديدة من "الكتاب الأوسط في علم القراءات"، إلى عزمه على تأليف كتاب آخر في علم القراءات، يكون أكبر وأشمل منه وأكثر تفصيلاً، ويسميه "الكتاب الشامل". ولا ندري هل مدّ الله تعالى في عمره، ووفّقه إلى إنجاز هذا العزم، والوفاء بإتمام تأليف هذا الكتاب الموعود. قال في بيان سبب تسمية كتابه الأول بـ"الأوسط"، وفي شروعه بوضع الكتاب الثاني الأوسع من الأول:

وسمّيته: "الكتاب الأوسط في علم القراءات"، إذ قد شرعت في وضع كتاب هو أتمُّ منه، يرتفع المراد منه مع مرور الأوقات، ومساعدة الأيام. وبالله التوفيق ([67]).

® ® ®

لا نعرف تاريخ وفاة الإمام العماني، كما لا نعرف هل كانت في مستقره في الوطن، أو في مكان آخر في الاغتراب. وقد عرفنا خبر نزوله مصر بُعَيْدَ السنة الخمسمئة، أي أوائل القرن السادس، كما قال أبو الخير الجَزَري. وبيّنا الضعف في صحة هذا الخبر. وقد اقتبس عمر رضا كحّالة هذا الخبر، وأورده في كتابه "معجم المؤلفين" نقلاً عن الجَزَري نفسه، من غير زيادة شيء فيه ([68]).

وأغْرَبَ العالم مصطفى بن عبد الله المعروف بحاجي خليفة، صاحب كتاب "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون"، المتوفى سنة 1067 هـ، حين ذكر كتاب "المرشد" في قوله: "المرشد في الوقف والابتداء" للإمام الحافظ العُماني، المتوفى في حدود سنة 400 هـ «([69]). وهو قول خطأ محض، لا ندري وجهه ولا مأتاه. وقد عرّفنا الإمام الحافظ العُماني نفسه أنه وضع "الكتاب الأوسط" سنة 413 هـ، كما رأينا آنفاً غير بعيد.

وهكذا يظل تاريخ وفاته مجهولاً مثل تاريخ ميلاده. ولا ضير في ذلك، إذ يبقى الثابت المعروف، بلاريب، من أقواله نفسه، أنه إمام كبير وعالم بارز من علماء القرنين الرابع والخامس، كان له شأن في زمانه، وأثر كبير ويد طولى في إرساء قواعد وأصول علم القراءات في الثقافة العربية الإسلامية.

"الكتاب الأوسط في علم القراءات"

هذا الكتاب سفر فخم نفيس من أسفار الثقافة العربية الإسلامية. له قيمة خاصة يمتاز بها بين الكتب المؤلفة في علم القراءات. وتتجلى قيمته في ميزتين اثنتين له:

1 - الميزة الأولى كونه من الكتب الأمهات المحكمات الأولى في علم قراءات القرآن الكريم. ضنّ به الزمان على التلف والضياع، فقطع مراحل السنين، وطوى عقود القرون، مخبوءاً مجهولاً في عتمة الخزائن، حتى وصل إلى زماننا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير