تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقبل أن يبسط أسس منهج إخراج الإنسان الصالح في القرآن قدم تجريدا لما اصطلح على تسميته في الباب الأول بـ"الضابط التمثلي" مستشهدا بالمعمار الاجتماعي الصالح الذي أرسى دعائمه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عن طريق إخراج (الأمة القطب) القابلة للتوسع حتى تشمل البشرية جمعاء؛ لأنها -وكما يقول الأستاذ- لا تنفي تجربة ولا حكمة ولا عنصرا، بل عن طريق التعارف تحدث التكامل نحو الصلاح في نظام تشريعي حِكَمي مقاصدي معتبر للمآلات بديع [14].

لينتقل بعد ذلك إلى محاولة تركيب أركان ما سماه الأطر المرجعية/الأنساق القياسية وذلك من خلال دراسة مجموعة من المفاهيم ترتيلا في المستوى المفاهيمي، ثم الربط بينها. ولأجل هذا الغرض اختار القيام بالمستوى الأول من مستويات الترتيل ضمن عناوين هذه الأطر والأنساق، وقد حددها في خمسة، هي على التوالي [15]: الوحي. القبلة. الوجهة. المنهجة الآياتية. الصلاح.

إن من مظاهر تكريم الله للإنسان أن جعل سبحانه الوحي في حالة اكتماله مستوعبا لكل طاقاته ولكل قدراته ولكل طموحاته وتطلعاته عبر سائر الأزمنة. وفي هذا السياق يبرز المؤلف أن نتيجة عمل الوحي في القرآن المجيد -في المجال الإنساني كما في المجال الكوني- هي السجود. غير أن السجود في المجال الكوني -ولطبيعة عمل الوحي فيه- يتم تلقائيا، في حين أنه في المجال الإنساني لا يتم إلا بالكدح والمكابدة، يقول عز وجل: (اَلم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الاَرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء) [سورة الحج/الآية: 18]. ذلك أن الإنسان يتميز عن الكون بأنه حمّل الأمانة وعلّم الأسماء ووهب ملكة الفهم التي تمكنه من التفكر والتدبر واستفراغ الوسع في الاستهداء بالآيات البصائر وصرفها وفق عملية التصريف القرآني لتضيء زوايا مختلفة، وتبرز جوانب متفرقة من القضايا التي تشير إليها.

ومن مظاهر تكريم هذا الإنسان كذلك أنه يولد على الفطرة /الصبغة الأصلية والتقويم الحسن (لقد خلقنا الاِنسان في أحسن تقويم) [سورة التين/الآية: 4] وهي مقومات تكسبه القدرة على قراءة الآيات والبصائر وفق منهجية معرفية يسميها المؤلف "المنهجية الآياتية" تجعله قادرا على قرن الوجهة الملائمة بالحركة التي يفرضها الموقع ليتم التوجه نحو القبلة الحقيقية لتحقيق السجود الكلي والاندراج في موكب الساجدين. أو على حد تعبير د. منى أبو الفضل: "عودة البشرية إلى رحمها الكوني"؛ وهذا هو الصلاح القرآني الذي ينبغي أن يكون ضاربا بجذوره في عمق طوايا كينونة الإنسان، كما ينبغي بالتبع أن تكون له تجلياته في واقعه [16].

فكيف يمكن أن نصنع الإنسان الصالح المصلح؟

إن محور عملية إخراج الأمة الصالحة المصلحة الأساسي هو الإنسان، ومن ثم فإن أفقها الأسنى هو إخراج الإنسان الصالح المصلح عن طريق ضبط تصوراته لعناصر الوجود -الله، الكون، الإنسان، الحياة والآخرة- وضبط علاقاته معها، وإكسابه الخبرات التي تمكنه من أن يجري هذه العلاقات وفق مقتضيات تلك التصورات ... وذلك عن طريق بذل جهد واع ممنهج ومرحلي متوسل بكل الوسائل المشروعة.

وتتم عملية إخراج الأمة الصالحة المصلحة -في نظر المؤلف- عبر مسلكين متوازيين:

الأول: ضبط تصورات الإنسان وعلاقاته، وذلك من خلال خط علمي يضبط تصورات الإنسان عن الله والكون والإنسان والحياة والآخرة، وآخر عملي يضبط العلاقات بالله والكون والإنسان والحياة والآخرة بمختلف أقسامها [17].

الثاني: التنشئة على محورَي الربانية والقوة: والمقصود بالتربية الربانية أن تكون غايتها ربانية، يقصد بها وجه الله والدار الآخرة. تصوغ النفس الإنسانية بعلم الله، فتكون نتيجتها الإنسان الرباني الذي يعيش بعلم الله فيما يصدق وفيما يطبق، فيما يعتقد وفيما يفعل، فيلتقي الخلق والأمر، وينسجم العقل والفطرة، ويكون الوحي علما في صدره، ونورا في قلبه. ويظهر ذلك في إيمانه بالله عز وجل، وفي إيمانه بالملائكة، وباليوم الآخر، وبالكتب والرسل.

وأهم ما ينبغي أن تركز عليه التربية الإسلامية في محور الربانية، بعد الإيمان بأركانه الستة، الأمور الأربعة التالية: إخلاص النية. مراقبة الله تعالى. محاسبة النفس. التوكل على الله [18].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير