وكان ينبغي الجمع بين هذه الكتابات وتلك لنخرج منها بصياغة معتدلة لآراء ابن تيمية الاجتهادية، وهي التي فيها الخير الكثير، والحل لكثير من مشكلات تفرق العلماء وتفرق الأمة من خلفهم.
إنني حينما كتبت هذه الرسالة وجمعت هذه الدرر من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية إنما أهدف إلى رفع الملام عن أئمة الإسلام؛ كالنووي والعز بن عبدالسلام وابن حجر العسقلاني، حيث وصفهم بعض طلاب العلم في هذا العصر بالابتداع والضلال!!
كما أهدف في مقابل ذلك إلى رفع الملام عن أئمة الإسلام الذين أخذوا بظاهر الآيات ولم يؤولوها؛ كابن تيمية وابن القيم والذهبي، ومن قبلهم ابن قتيبة وابن خزيمة وغيرهم؛ حيث إن هؤلاء العلماء وُصفوا من مخالفيهم بأوصاف شنيعة، فقد قيل عنهم إنهم حشوية ومجسمة، وحُكِم عليهم بالبدعة والضلال، بل بالكفر أحيانًا من بعض العلماء السابقين ومن بعض أهل العلم في هذا العصر.
ومن ذلك قول أحد علماء هذا العصر: "لقد ضل ابن تيمية حينما قال بفناء النار"، وكان الأولى أن يقول: لقد أخطأ ابن تيمية؛ لأنه إنما قال هذا القول -على فرض أنه قاله-عن اجتهاد منه، وهو من أبرز أهل الاجتهاد، فغاية ما يحكم عليه به المخالف أن يصفه بالخطأ، والخطأ لا يترتب عليه بغض ولا براءة، بل يظل العلماء وإن اختلف اجتهادهم على حب وولاء.
كما أهدف من ذلك إلى رفع الحرج عن علماء هذا العصر؛ الذين اتُّهموا في عقائدهم لأنهم ذهبوا إلى بعض ما قرره بعض علماء السنة القدامى من تأويل بعض الآيات على غير ظاهرها؛ حيث اتُّهموا بالتعطيل، ونُسبوا إلى بعض فرق الغلاة؛ كالمعتزلة والجهمية، وإلى رفع الحرج عن العلماء الذين أخذوا بقول بعض علماء السنة الذين فسروا تلك الآيات على ظاهرها، حيث وصفوهم بالتجسيم والتشبيه ونحو ذلك، وكل فريق من هؤلاء العلماء المعاصرين إنما ساروا على ما سار عليه علماء كبار من أهل السنة والجماعة، فهل نصف أولئك العلماء بهذه الصفات الشنيعة؟!
وإذا تبين لنا أن المنهج الصحيح هو الحكم على العلماء المخالفين بالخطأ إذا كانوا من أهل الاجتهاد، وعدم جواز تضليلهم أو تبديعهم، فضلاً عن تفسيقهم أو تكفيرهم .. فإن هذا الحكم يسري على كل من اقتدى بهم وأخذ باجتهادهم من أهل العلم وعامة المسلمين.
لكن المشاهد في هذا العصر أن بعض العلماء يتورعون عن الحكم على كبار العلماء السابقين بالضلال والابتداع ويحكمون عليهم بالخطأ، بينما ينبري بعض تلامذتهم للحكم على بعض علماء هذا العصر بالضلال والابتداع، وهؤلاء العلماء المحكوم عليهم هم على منهج أولئك العلماء الكبار، ومع ذلك فإن كثيرًا من العلماء المعاصرين لا ينكرون هذا التناقض في الحكم.
ونظرًا لظهور هذا التناقض فإن بعض المتشددين في هذا العصر حكموا على بعض كبار العلماء السابقين بالضلال والابتداع وحرموا قراءة كتبهم، ولو أن العلماء الذين تورعوا عن الحكم على كبار العلماء بالضلال والابتداع عمموا هذا الحكم علىكل من أخذ باجتهادهم؛ لما حصل هذا الغلو الذي باعد بين أهل العلم الديني من المسلمين، وأوجد بينهم شيئًا من العداوة والبغضاء، وعامة المسلمين تبع لأهل العلم منهم، فإذا تفرق أهل العلم وتباعدوا تبعهم في ذلك عامة المسلمين.
إن الذي ينظر إلى النزاع بين طلاب العلم على مر الزمن بسبب الخلاف الدائر بين العلماء المتبوعين في أمور العقيدة .. يشفق على أوضاع هذه الأمة التي تتطاحن وتتناحر بسبب الخلاف بين أهل العلم الديني!
ولو أن علماء الدين ربَّوا تلامذتهم على المنهج المعتدل، القائم على تخطئة المخالفين لهم حينما يتبين لهم خطؤهم، لا على تجريحهم وتبديعهم وتضليلهم .. لأصبح الجو العلمي الديني هادئًا، ولسادت بين طلاب العلم روح المودة والأخوة القائمة على عذر المخالفين، وعدم معاملتهم معاملة الفساق والكفار في البغض والبراءة، مع اعتصام كل فريق بما يراه هو الحق، ومع قيام المناظرات والردود فيما بينهم على منهج متزن معتدل، لا يفسد المودة ولا يجرح الأخوة الإيمانية بينهم، وبالتالي فإنه لا يترتب على خلافهم تحزبات ولا انقسامات تصل إلى مستوى العامة والمثقفين من غير المتخصصين في الدراسات الإسلامية.
من أقوال الإمام الذهبي
......
...............
ـ[خلوصي]ــــــــ[01 Nov 2008, 08:02 ص]ـ
من أقوال الإمام الذهبي
¥