تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فأجاب فضيلة الشيخ: هذا خطأ؛ فالعقيدة كغيرها من حيث إنه قد يقع فيها الخطأ، أفلم يعلم هؤلاء أن العلماء قد اختلفوا في أبدية النار؛ هل هي مؤبدة أو غير مؤبدة؟! وهؤلاء من السلف والخلف، وقد اختلفوا في شيء من العقيدة، فهل نُظهر سيئاتهم؟ الصراطُ الذي يوضع على جهنم؛ هل هو طريق كغيره من الطرق، أو هو أدق من الشعرة وأحدُّ من السيف؟! الذي يوزن يوم القيامة؛ هل هو الأعمال أم صاحب العمل أم صحائف الأعمال؟ هل رأى الرسول ربه أم لم يره؟ هل تُعاد الروح إلى البدن فيكون العذاب على البدن والروح أو على الروح وحدها في القبر بعد الدفن؟! كل هذه مسائل في العقيدة واختلف فيها العلماء، فهل نُظهر سيئاتهم أو نرفضهم؟! ‍

وفي سؤال آخر عمن أراد أن يقيِّم شخصًا فيذكر مساوئه فقط ولا يذكر ما لديه من خير؛ قال من ضمن جوابه: فالواجب على من أراد أن يقيِّم شخصًا تقييمًا كاملاً إذا دعت الحاجة أن يذكر مساوئه ومحاسنه، وإذا كان ممن عُرف بالنصح للمسلمين أن يعتذر عما صدر منه من المساوئ؛ فمثلاً نحن نرى من العلماء كابن حجر والنووي وغيرهما من لهم أخطاء في العقيدة، لكنها أخطاء نعلم علم اليقين فيما نعرف من أحوالهم أنها صدرت عن اجتهاد؛ فمثلاً نجدهم يؤولون قوله تعالى في [الفجر:22] وجاء أمر ربك؛ لماذا؟! فالله يقول: جاء ربك، وهم يقولون: جاء أمره؛ فهذا خطأ، فإنه لا بدَّ علينا أن نؤمن بأن الله يجيء كيف شاء، لكن نلتمس لهم العذر، ولا نجعل من هذا الخطأ -الذي نعلم أنه صادر عن اجتهاد-لا نجعل منه بابًا للسب والقدح فيهم (

[9]).

وكذلك حينما حقق سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- الأجزاء الثلاثة الأولى من "فتح الباري"، خطَّأَ الشارح الحافظ ابن حجر العسقلاني في مواضع من العقيدة، ولم يحكم عليه بالضلال ولا بالابتداع (1).وهذا الذي سار عليه هذان العالمان الجليلان هو المنهج الصحيح في الحكم على المخالفين.

ومن ذلك ما جاء في فتوى صادرة من اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية، وقد جاء فيها "موقفنا من أبي بكر الباقلاني والبيهقي وأبي الفرج ابن الجوزي وأبي زكريا النووي وابن حجر وأمثالهم؛ ممن تأول بعض صفات الله تعالى أو فوضوا في أصل معناها .. أنهم في نظرنا من كبار علماء المسلمين الذين نفع الله الأمة بعلمهم، فرحمهم الله رحمة واسعة، وجزاهم عنا خير الجزاء، وأنهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه الصحابة رضي الله عنهم وأئمة السلف في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، وأنهم أخطؤوا فيما تأولوه من نصوص الصفات، وخالفوا فيه سلف الأمة وأئمة السنة رحمهم الله، سواء تأولوا الصفات الذاتية وصفات الأفعال أم بعض ذلك" ([10]).

فهذه الاقتباسات من كلام هؤلاء الأعلام السابقين والمعاصرين يستأنس بها في بيان شرعية الاجتهاد في أمور العقيدة كغيرها من أمور الدين؛ لأن الحكم بالخطأ على المخالف وعدم الحكم عليه بالضلال والابتداع بيان لشرعية الاجتهاد في هذه القضايا الخلافية.

والذين يقولون بعدم شرعية الاجتهاد في مسائل العقيدة يقال لهم: إنكم قد اجتهدتم في تفسير نصوص العقيدة؛ حيث إنكم لم تعتمدوا في تفسير كثير منها على نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما بينتم معانيها بناء على دلالات اللغة العربية، سواء حملها هؤلاء المفسرون على ظاهرها، أم أولوها بمعانٍ أخرى، وقد اتفق أهل السنة بمختلف طوائفهم على تفسير نصوص معية الله تعالى بالعلم وبالنصر والتأييد.

بل إن هناك نوعًا من التناقض بين بيان معاني نصوص الأسماء والصفات والقول بعدم شرعية الاجتهاد في ذلك؛ لأن بيان معناها يعني أنها من المحكم، أما عدم شرعية الاجتهاد فيها فهو يعني أنها من المتشابه، والقائلون بمنع الاجتهاد فيها يرون أنها من المحكم وليست من المتشابه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير