تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولو أنه طبق منهج ابن تيمية بالكامل؛ فشغل نفسه بالردود على المخالفين من أصحاب المناهج العقلية والباطنية وغلاة الصوفية ونحوهم .. لوافاه الأجل ولم يصنع شيئًا سوى إضافة كتب حول هذه الموضوعات إلى المكتبة الإسلامية!!

وقد تغيرت الأوضاع في عصرنا الحاضر، فظهرت صور للجاهلية لم توجد من قبل؛ كالمذاهب الفكرية المنبثقة من الشيوعية والحضارة الغربية، وتضخم وجود بعض الصور التي كانت ضئيلة في الماضي؛ كالحكم بغير ما أنزل الله تعالى، وتوجيه السياسة على غير منهج الإسلام، وحصر مفاهيم الإسلام في نطاق ضيق، وتضاءلت في بعض البلاد صور كانت كبيرة في العصور الماضية؛ كعبادة الأموات والأشجار والأحجار.

فليس المطلوب من الدعاة أن يركزوا على دراسة صور من الجاهليات القديمة، ولا أن يعيدوا دراسة المباحث الكلامية في مجالات النقد والردود على المخالفين بالمنهج نفسه الذي سار عليه المصلحون السابقون، وإنما لكل عصر دولة ورجال، والبراعة كل البراعة في دراسة الأوضاع المعاصرة دراسة دقيقة عميقة، ثم تسليط الأضواء عليها من خلال الكتاب والسنة، مع الاستفادة من اجتهادات أعلام الدعوة السابقين في دراستهم أوضاع مجتمعاتهم، والقيام بالدعوة في تصحيح المفاهيم الخاطئة وتوجيه الأمة على هدى الإسلام الحنيف.

ولقد كان للسلف من علماء الأمة الربانيين اهتمام كبير بهذا الجانب، ومن هؤلاء العلماء الإمام سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله، ومن الوصايا الحكيمة والتوجيهات السديدة التي جاءت عنه في ذلك؛ ما رواه عطاء بن مسلم قال: قال لي الثوري: إذا كنت بالشام فاذكر مناقب علي، وإذا كنت بالكوفة فاذكر مناقب أبي بكر وعمر ()!

فهذا التوجيه يُعدُّ مثالاً للحكمة في الدعوة؛ حيث يكون وراء

إيراد النصوص غرض تربوي، يُقصَد منه التخفيف من مغالاة المتجهين نحوالغلو في قضية معينة، فأهل الشام لما كان بعضهم يتجاهلون مناقب علي بنأبي طالب أو يستخْفُون بذكرها؛ كان من الحكمة الجهر ببيانها، ولما كان بعض أهل الكوفة يتَّجهون نحو الغلو في علي بن أبي طالب وبنيه، ويغضُّون الطرف عن بيان فضائل أبي بكر وعمر؛ كان من الحكمة بيان فضائلهما، وكذلك فضائل عثمان رضي الله عن الجميع؛ وذلك ليحصل الاتزان عند جميع تلك الطوائف.

وهذا يُعدُّ نموذجًا من نماذج الدعوة الناجحة؛ حيث إنَّ مِنْ أهم عوامل نجاح الدعوة أن يتصدَّى الداعية لبيان الأمور التي تجاهلها الناس، أو وقعوا فيها بما يخالف الإسلام، فيكون بذلك قد شخَّص أدواء الأمة وأرشد إلى دواء تلك الأدواء، أما أن يأتي إلى الأمور التي قد طبقها الناس وأَلِفُوها فيتحدث عنها فإنه لن يأتي بجديد، ولن يكون له عمل فعال في الإصلاح والتجديد، وإنما قد يؤكد أمورًا قد عرفها الناس وألفوها.

ـ[خلوصي]ــــــــ[21 Nov 2008, 11:54 ص]ـ

.....

بين قضايا الفقه وقضايا العقيدة

إننا حينما ننظر إلى قضايا العقيدة وقضايا الفقه؛ نعجب كيف اتسعت دائرة أفهام العلماء وتصوراتهم للخلاف في الأمور الفقهية، وإن كانت كبيرة تمس أصول هذا العلم وكلياته، بينما لم تتسع للخلاف في أمور العقيدة حتى في الجزئيات والفرعيات! مع أن قضايا العقيدة والفقه كلها داخلة في أمور الدين، وكلها أمور تؤخذ من نصوص الكتاب والسنة، فنجد العلماء مثلاً يختلفون في الحكم على تارك الصلاة تكاسلاً هل يكفر أولا يكفر؟ فلا يُحكَم على المختلفين ببدعة ولا بضلال، مع أن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي عمود الإسلام الذي يقوم عليه بناؤه، بينما يُحكم على من اجتهد في تأويل آية أو حديث مما يتعلق بالعقيدة بالابتداع والضلال إذا خالف ما عليه من حكم بذلك!!

وتجد المقتنعين بهذا التفريق يسوغون رأيهم بأن ترك الصلاة تكاسلاً كفر عملي، ولا أدري كيف ساغ لهم أن يفرقوا بين الكفرين العملي والاعتقادي! فكلاهما كفر إما أصغر أو أكبر، وترك الصلاة تكاسلاً على رأي هؤلاء كفر مخرج من الملة، بينما هم لا يقولون بأن تأويل آية أو حديث في الصفات على خلاف ظاهره كفر مخرج من الملة، فكيف ساغ الخلاف في قضية تُخرج من الملة أو يبقى معها المسلم على إسلامه، ولم يسغ في قضية قد اتفق جميع أهل السنة على أن إثباتها على ظاهرها أو تأويلها لا يخرج من الملة؟!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير