تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وامتحان أهل العلم في عقيدتهم بدعة لم تكن موجودة على عهد الصحابة رضي الله عنهم كما سبق عن الإمام البخاري.

محنة الإمام ابن تيمية:

([1]) تاريخ الطبري (8/ 631 - 641).

([2]) سير أعلام النبلاء، باختصار، (11/ 241 - 254).

([3]) المرجع السابق (12/ 453 - 468)، وانظر: مقدمة فتح الباري (490 - 493).

ـ[خلوصي]ــــــــ[10 Dec 2008, 02:34 ص]ـ

محنة الإمام ابن تيمية:

قبل أن أذكر ما جرى للإمام ابن تيمية أذكر نبذة عما كان يجري بين العلماء الذين يفسرون جميع نصوص الصفات على ظاهرها، والذين يؤولون بعضها على خلاف ظاهرها، ومن الأمثلة البارزة على ذلك ما جرى بين العلامة عز الدين بن عبد السلام وبعض علماء الحنابلة المعاصرين له، وفي ذلك يقول الحافظ تاج الدين عبد الوهاب السبكي في بيان ما جرى بين العز بن عبد السلام والسلطان الأشرف موسى الأيوبي: وكانت طائفة من مبتدعة الحنابلة؛ القائلين بالحرف والصوت (يعني في كلام الله تعالى)، ممن صحبهم السلطان في صغره .. يكرهون الشيخ عز الدين ويطعنون فيه، وقرروا في ذهن السلطان الأشرف أن الذي هم عليه اعتقاد السلف، وأنه اعتقاد أحمد بن حنبل رضي الله عنه وفضلاء أصحابه، واختلط هذا بلحم السلطان ودمه! وصار يعتقد أن مخالف ذلك كافر حلال الدم، فلما أخذ السلطان في الميل إلى الشيخ عز الدين وشت هذه الطائفة به، وقالوا: إنه أشعري العقيدة، يخطِّئ من يعتقد الحرف والصوت ويبدعه.

وذكر أنه لما استعظم السلطان ذلك ونسبهم إلى التعصب عليه كتبوا فُتيا في مسألة الكلام وأوصلوها إليه، وقد ذكر جوابه على هذه الفتيا كاملاً، وسأكتفي بذكر أحكامه التي حكم بها على مخالفيه.

فمن ذلك قوله: والحشوية المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه ضربان: أحدهما لا يتحاشى من إظهار الحشو ويحسبون أنهم على شيء، ألا إنهم هم الكاذبون، والآخر يستتر بمذهب السلف لسحت يأكله أو حطام يأخذه ... إلى أن قال: ومذهب السلف

إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه ... إلى أن قال:

فما الفرق بين مجادلة الحشوية وغيرهم من أهل البدع، لولا خبث في الضمائر وسوء اعتقاد في السرائر، يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله، وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول، وإذا سئل أحدهم عن مسألة من مسائل الحشو أمر بالسكوت

عن ذلك، وإذا سئل عن غير الحشو من البدع أجاب فيه بالحق، ولولا ما انطوى عليه باطنه من التجسيم والتشبيه لأجاب في مسائل الحشو بالتوحيد والتنزيه ... إلى أن قال: وما زال المنزهون والموحدون يفتون بذلك على رؤوس الأشهاد في المحافل والمشاهد، ويجهرون به في المدارس والمساجد، وبدعة الحشوية كامنة خفية، لا يتمكنون من المجاهرة بها، بل يدسونها إلى جهلة العوام.

وقد ذكر السبكي أن هذا الكتاب وصل إلى السلطان الأشرف، فاستشاط غضبًا وقال: صح عندي ما قالوه عنه، وهذا رجل كنا نعتقد أنه متوحد في زمانه في العلم والدين، فظهر بعد الاختبار أنه من الفجار، لا بل من الكفار!! وذكر السُّبكي أن العلامة جمال الدين ابن الحاجب المالكي جمع العلماء والقضاة، وأخذ توقيعاتهم بما ذكره العز بن عبد السلام، وأن العز رفع إلى السلطان طلبًا بجمع علماء المذاهب الأربعة وأخذ رأيهم في هذا الموضوع، وذكر في هذا الطلب أن السلطان هو أولى الناس بموافقة والده السلطان العادل؛ فإنه عزَّر جماعة من أعيان الحنابلة المبتدعة تعزيرًا بليغًا رادعًا وبدَّع بهم وأهانهم.

ثم ذكر أن السلطان كتب إلى العز بن عبد السلام كتابا شديد اللهجة، وأن ابن عبد السلام أجابه بجواب شديد، ومما قال فيه: والفتيا التي وقعت في هذه القضية يوافق عليها علماء المسلمين من الشافعية والمالكية والفضلاء من الحنابلة، وما يخالف في ذلك إلا رعاعٌ لا يعبأ الله بهم.

ثم ذكر السبكي أن الشيخ جمال الدين الخضيري شيخ الحنفية في زمانه ركب إلى السلطان الأشرف، وسأل عما جرى بينه وبين العز بن عبد السلام، فأحضر السلطان خطابيْ ابن عبد السلام الأول والثاني، وأن الشيخ الخضيري قرأهما وقال: هذا اعتقاد المسلمين وشعار الصالحين ويقين المؤمنين، وكل ما فيهما صحيح، ومن خالف ما فيهما وذهب إلى ما قاله الخصم من إثبات الحرف والصوت فهو حمار!! فقال السلطان: نحن نستغفر الله مما جرى، ونستدرك الفارط في حقه، وأرسل إلى الشيخ واسترضاه وطلب محاللته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير