وغزوهم من داخل كياناتهم بألوان من المكر والتخطيط الدقيق، حتى أصبحت سهام المصلحين في الغالب طائشة وجهودهم مبعثرة، فلم ينجحوا نجاحاً كاملاً في محاولة الإصلاح على مر العصور إلا بشكل نادر حينما يبرز عالم كبير يجمع بين التعليم والتربية وتكون له جهود متواصلة في استقطاب أهل الإصلاح من أصحاب العلم والدعوة. وحينما غلبت المباحث العقلية على عقول بعض العلماء فأصبحوا يجعلونها محكَّمة في قضايا أصول الدين، واستشرى أمر المعتزلة ومن نحا نحوهم في تعظيم العقل البشري وصياغة العلوم الإسلامية صياغة عقلية مجردة أحيانا من الاستهداء بالوحي الإلهي.
وحينما بالغ بعض الفقهاء بالأخذ بالرأي والاجتهاد ولم يبدوا عناية بتتبع السنة النبوية وفتاوى الصحابة ن.
وحينما قام بعضهم بتجريد بعض مباحث الفقه من الأدلة الشرعية.
حينما حصل ذلك قام بعض العلماء ممن لهم عناية فائقة بالسنة ينادون بالرجوع إلى الكتاب والسنة سواء في مجال العقيدة أو الفقه، ولقد نجح هؤلاء العلماء نجاحاً كبيراً في نشر السنة النبوية حتى أصبحت محط أنظار العلماء وطلاب العلم، وانكمشت الفرق المخالفة لأهل السنة في أمور العقيدة وأصبحت محدودة الانتشار، حتى قام الخليفة المأمون بنصر آراء المعتزلة وامتحان علماء أهل السنة، وكانت فتنة في الدين ضعف فيها صوت أهل السنة وعلا فيها صوت مخالفيهم، إلى أن قيض الله لأهل السنة إماماً جليلاً ثبت للمحنة واستعصى على الاستجابة للفتنة، وأصَرَّ إصراراً متواصلاً على عدم المناظرة مع المعتزلة إلا في حدود الكتاب والسنة، فاستحق الإمام أحمد بن حنبل بهذا الموقف الجليل أن يكون إمام أهل السنة.
وكلما أوغل بعض العلماء في تقديس العقل وإقحامه فيما لم يؤهل له قيض الله سبحانه لهذه الأمة علماء يعيدون الأمور إلى نصابها، ويخلِّصون علوم الدين مما شابها من نتاج العقل البشري المحدود.
ـ[خلوصي]ــــــــ[02 Jun 2009, 09:59 ص]ـ
أصول العقيدة
والأصل في العقيدة هو الكتاب والسنة، وهما أصل الدين كله، كما جاء في قول النبي صلى الله عليه و سلم تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يرِدا عليَّ الحوض
ذكره السيوطي في الجامع الصغير من رواية الحاكم من حديث أبي هريرة وسكت عنه السيوطي والمناوي، وصححه الألباني رحمهم الله تعالى ().
ولهذا فإنه يجب أخذ أمور العقيدة كلها من الكتاب والسنة.
ولا يعني هذا عدم الاستفادة من كتب العلماء التي أُلِّفَتْ في العقيدة، بل يستفاد من الكتب التي التزم أصحابها بالمنهج العلمي الإسلامي على أنها بيان لما جاء في الكتاب والسنة.
ومما يلاحظ أن أغلب كتب العقيدة قد أُلِّفت في الرد على المخالفين، ولذلك فإنها قد لا تخلو من أخطاء مبعثها إما الاجتهاد في فهم النصوص
أو الغلو والخروج عن حدود الاعتدال،
أو التأثر بالعلوم العقلية سواء في ذلك ما كان من إنتاج مفكري المسلمين،
أو مما ترجموه من غيرهم،
لذلك كان من الواجب التركيز على الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ن حيث لم يكن في عهدهم أصل يرجعون إليه في علوم الدين غير الكتاب والسنة.
والتسمية الواردة في الكتاب والسنة لما يتعلق بمباحث الاعتقاد هي الإيمان، ومن ذلك ما جاء في حديث سؤال جبريل عليه السلام المشهور، حيث سأل النبيَّ صلى الله عليه و سلم عن الإيمان فأجابه ببيان أركانه، فورد لفظ الإيمان في السؤال والجواب، ولم يرد فيهما لفظ العقيدة.
وقد بقي ذلك حتى عصر تدوين السنة، حيث نجد أن أصحاب الحديث يُصدِّرون كتبهم في السنة بأبواب الإيمان، ومنهم من خصص بعض مباحث العقيدة باسم التوحيد، كالإمام البخاري حيث ركز في كتاب التوحيد من صحيحه على مباحث أسماء الله تعالى وصفاته، ومنهم من ألف في ذلك كتاباً مستقلاً كابن خزيمة رحمهم الله جميعاً.
ثم أصبح اسم التوحيد يشمل كل مباحث الاعتقاد.
أما كلمة (العقيدة) فقد عُرفت بعد القرون المفضلة، وأول عالم أطلقها على مباحث الإيمان - فيما علمت - الإمام أبو عثمان إسماعيل الصابوني، المتوفى سنة تسع وأربعين وأربعمائة، وذلك في كتابه (عقيدة السلف وأصحاب الحديث) المطبوع ضمن (الرسائل المنيرية) ().
وتسمية هذه المباحث باسم العقيدة اصطلاح علمي قُصد به تقريب العلم إلى الأذهان، كما سُمِّيت بعض تكاليف الدين باسم الفقه.
¥