ولكن تحويل هذه المباحث من اسم الإيمان إلى اسم العقيدة جَرَّأ بعض واضعي المناهج على إدخال الفلسفة وغيرها إلى أقسام العقيدة، حتى أصبحت تلك الأقسام مختلطة بين مباحث الإيمان ومباحث العلوم الوضعية.
كما أن مصطلح العقيدة الآن يحتوي على حشو ضخم من نتاج الفكر البشري المتراكم على مر السنين والأجيال، والذي كان سببه الأول الجدل الكلامي بين الطوائف المختلفة،
بينما مصطلح الإيمان لا يقبل هذا الحشو المتراكم، لأنه لفظ وارد في الكتاب والسنة ومعناه بيِّنٌ، ومحتواه واضح.
فإن قيل: إن الإيمان يشمل الدين كله من قول وعمل واعتقاد، على القول المشهور لأهل السنة فكيف يكون الإيمان مرادفاً للاعتقاد والاعتقاد جزء منه؟!
فإنه يقال: إن الاعتقاد يعدّ جزءاً من الإيمان إذا ذُكر الإيمان وحده كما في حديث (الإيمان بضع وسبعون – أو بضع وستون – شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة () فأما إذا ذُكر مقترناً بالإسلام فإن الإيمان يكون خاصاً باعتقاد القلب، كما في قول الله تعالىفي [الحجرات:14].وكحديث سؤال جبريل عليه السلام رسولَ الله صلى الله عليه و سلم عن الإيمان، حيث كان جوابه ببيان أركان الإيمان.
هذا على أحد قولي أهل السنة من أن الإيمان إذا أطلق وحده دخل فيه العمل مع الاعتقاد، أما على القول الآخر لأهل السنة بأن الإيمان هو اعتقاد القلب، ومن لوازمه العمل فإن الأمر واضح في كون الإيمان مرادفاً للاعتقاد، والخلاف بين القولين لفظي لا يترتب عليه فساد في الاعتقاد كما ذكر شارح الطحاوية رحمه الله تعالى ().
وهكذا تبين لنا أن الإيمان عند أهل السنة يطلق على الاعتقاد، لكن حينما استُعمل مصطلح العقيدة أصبح الإيمان جزءاً من العقيدة، حيث أصبحت مباحث الإيمان فصولاً في كتب العقيدة، مثل بيان شمول الإيمان للعمل مع الاعتقاد.
شمول العقيدة لتكاليف الدين
.................
ـ[خلوصي]ــــــــ[16 Jul 2009, 08:39 ص]ـ
............
شمول العقيدة لتكاليف الدين
حينما نفهم العقيدة على أنها مجموعة المباحث العقدية المستنبطة من الكتاب والسنة في كل مراحلها، من اعتقاد القلب إلى ما يترتب عليه من قول أو عمل، فإن ذلك اصطلاح علمي كسائر المصطلحات العلمية، ولكن حينما نبحث عن اعتقاد القلب بغضِّ النظر عما يترتب عليه من قول أو عمل فإن التأمل في ذلك يدلنا على شمول اعتقاد القلب لجميع تكاليف الدين.
وإن النظر في الأمور التالية ليدلنا دلالة واضحة على شمول العقيدة لتكاليف الدين:
الأول:
أنه قد جاءت الأوامر والنواهي في الكتاب والسنة مرتبطة بالوعد والوعيد والأمر بالتقوى، وختمت بعض آيات الأحكام بذكر صفات الله جل وعلا المناسبة للمقام، وافتتح بعضها بنداء الإيمان، وذلك لربط هذه الأحكام باعتقاد القلب، وتنمية الإيمان بالله تعالى، الذي يدفع المسلم إلى مزيد من الاستقامة والعمل بطاعته جل وعلا.
ولنتأمل مقطعاً واحداً من آيات الأحكام في القرآن الكريم ليتبين لنا مدى ارتباط الأحكام بالعقيدة، فلننظر مثلاً إلى آيتي القصاص [البقرة:178 - 179].
فقد ختم الله سبحانه الآية الأولى بالوعيد بالعذاب الأليم لمن اعتدى بعد أخذ حقه، ثم بين أن مِن حِكَم مشروعية القصاص أن يصل المسلمون إلى مرتبة التقوى.
وانظر إلى آيات الوصية [البقرة:180 - 182] فقد ختم الله سبحانه الآية الأولى بالتذكير بتقوى الله التي هي مطمع آمال المؤمنين، وختم الآية الثانية المشتملة على بيان عقوبة تبديل الوصية بذكر صفتي السمع والعلم لله تعالى المتضمنتين للوعيد والإنذار، وختم الآية الثالثة المشتملة على رفع الإثم عن المصلحين بذكر صفتي المغفرة والرحمة المتضمنتين للوعد والتبشير، وذلك لدفع المؤمنين إلى مراعاة حق الوصية وحفظها من التغيير والتبديل.
وانظر إلى أول آيات الصيام [البقرة:183] فقد ختمها الله تعالى بالتذكير بالتقوى وعلل بها فرضية الصيام ليكون ذلك أبلغ في المسارعة إلى الامتثال حينما يشعر المكلف بأنه بالصيام يصل إلى هذه الدرجة العالية.
¥