وانظر إلى آيات الحج [البقرة:196 - 203] فقد ختم الله تعالى الآية الأولى بالأمر بالتقوى والتذكير بعذابه الشديد [البقرة:196] وختم الثانية ببيان شمول علم الله تعالى والأمر بالتقوى [البقرة:197].
وهكذا نجد سائر آيات الأحكام في القرآن الكريم لا تخلو من وعظ وتذكير ووعد ووعيد.
كذلك نجد أن النبي ج قد اهتم ببيان الأحكام التكليفية مقرونة بالمواعظ والزواجر، فلا يكاد يخلو أمر من أوامر النبي ج ولا نهي من نواهيه من الترغيب والترهيب.
الثاني:
أن الإيمان إذا أُطلق في الكتاب والسنة لا يقتصر على اعتقاد القلب، بل يشمل القول والعمل، وقد دل على ذلك أدلة كثيرة، منها قول الله تعالى في [البقرة:143] يعني ثواب صلاتكم التي كنتم تتوجهون بها إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة،
ومن ذلك ما أخرجه مسلم بن الحجاج من حديث أبي هريرة ط قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: الإيمان بضع وسبعون – أ و بضع وستون – شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ().
فتبين من الآية والحديث أن القول والعمل من الإيمان.
الثالث:
أن المخالفات التي يرتكبها المسلم سواء كانت من باب ترك الواجبات أو فعل المحظورات كلها داخلة في الشرك بالله تعالى.
فإن كانت هذه المخالفات تصل إلى حد الخروج من الملة كانت من الشرك الأكبر وإلا كانت من الشرك الأصغر.
والحكم على هذه المخالفات بأنها من الشرك ليس حكماً عليها بحد ذاتها دائماً، فقد تكون من الشرك الأكبر كدعاء غير الله تعالى فيما لا يقدر عليه غيره، أو من الشرك الأصغر كالحلف بغير الله جل وعلا، وقد تكون من المعاصي التي لا يطلق عليها الشرك كالربا والسرقة وشهادة الزور، ولكنها تعدّ شركاً بالنظر للدافع إليها وهو اتباع الهوى والشيطان وحب الدنيا والخضوع لرغبات الناس المخالفة للدين.
وهذا عام في جميع المعاصي التي يكون الدافع إليها الشهوات أو الشبهات، فأما الشهوات فأمرها ظاهر لأنها اتباع للهوى والشيطان، وأما الشبهات فإنها تعمي القلب إذا اجتمع عليه ضعف الإيمان وغزو الشياطين من الإنس والجن، فإذا وقع العبد في المعصية نتيجة لشبهة عرضت له فإنه يكون قد خضع لوساوس الشياطين من الإنس والجن، فالقدْر الذي استقر في قلبه من الشرك ليس في مزاولة المعصية نفسها، فإن فاعلها وهو يزاولها يرى أنه يُنفِّذ الحق ولا يتبع هواه، ولكنه ما استقر في قلبه من الاستجابة لوساوس الشياطين وضعف استسلامه لله عز وجل.
وهذا من الشرك الخفي الذي ذكره النبي صلى الله عليه و سلم بقوله: الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله كيف ننجو منه وهو أخفى من دبيب النمل؟ فقال: ألا أعلمك كلمة إذا قلتها نجوت منه من دِقِّه وجِلِّه؟ قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم.
ذكره الإمام ابن تيمية ونسبه إلى صحيح أبي حاتم ().
فالأمر الذي يتعلق بالشرك بالنسبة للمعاصي هو ميل القلب إلى غير الله تعالى، حيث يتسرب إلى قلب المسلم اعتبار غير الله تعالى في طلب الرضا واجتناب السخط فيزاحم ذلك وجود الإيمان بالله تعالى في قلب المسلم فيقع في الشرك بسبب ذلك.
ولعل هذا هو المناسب في بيان حديث معاذ بن جبل الذي أخرجه الشيخان رحمهما الله وفيه فقال – يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم:
يا معاذ هل تدري ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا، فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا ().
فقوله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا يقتضي نفي العذاب بالكلية عن الموحدين، وهذا ينطبق على المسلمين الذين سلموا من المخالفات سواء فيما ظاهره شرك أو في المعاصي.
¥