وهذا لا يعني إقرار تلك الأنظمة السياسية الجاهلية وإنما يعني الأخذ بقاعدة ارتكاب أخف الضررين، فإن ترك الأمور السياسية بيد غير المتقين يعني تقليص الوجود الإسلامي، وتضييع مصالح المسلمين المتقين، فتلك المشاركة من باب الضرورات التي تُقدَّر بقدرها، ولذلك فإنه لا يجوز الاستمرار في تلك الأنظمة الجاهلية بعد التمكن، بل يجب إقرار النظام الإسلامي في الحكم.
وهذا يشبه عمل يوسف عليه الصلاة والسلام حينما عمل مع فرعون مصر [يوسف:55]، فقد أصبح وزيراً لحاكم مصر في أهم أمور الدولة وهو الزراعة والتموين، ومن خلال ذلك المنصب نشر دعوة التوحيد في مصر، لأنه كان يقوم بذلك وهو سجين [يوسف:39 - 40]، فلا يمكن أن يتخلى عن دعوته بعد
أن أصبح متمكناً في الحكم.
وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن، فإن قومه لا يقرونه على ذلك،
وكثيراً ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضياً، بل وإماماً وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك، بل هناك من يمنعه ذلك، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وعمر بن عبدالعزيز عودي وأوذي على بعض ما أقامه من العدل، وقيل إنه سم على ذلك، فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة وإن كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه، بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها ().
ويقول الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي في تفسير آيات قصة شعيب عليه السلام من سورة هود: ومنها – أي الفوائد – أن الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة قد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئاً منها، وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم وأهل وطنهم الكفار كما دفع الله عن شعيب رجم قومه بسبب رهطه، وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين لا بأس بالسعي فيها، بل ربما تعين ذلك، لأن الإصلاح مطلوب على حسب القدرة والإمكان،
فعلى هذا لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفار وعملوا على جعل الولاية جمهورية يتمكن فيها الأفراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية لكان أولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية وتحرص على إبادتها وجعلهم عَمَلة وخدماً لهم،
نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين وهم الحكام فهو المتعين، ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة، والله أعلم ().
وقد يُمثَّل للعمل في جو قد اختلط فيه الحق بالباطل بصلاة الجماعة في المسجد، فإن المسجد يضم أنواعاً من المصلين، فمنهم أقوياء الإيمان، ومنهم ضعفاء الإيمان، ومنهم منافقون، ومع ذلك فإن المسلم مأمور بأن يصلي مع الجماعة من غير أن يبحث عن عقائد المصلين، وإنما هو مسئول عن نيته هل هي خالصة أم مشبوهة؟.
وبعض الناس يستدلون على عدم مشروعية المشاركة في الانتخابات السياسية بالإخفاقات التي تحصل للمشاركين فيها من ممثلي المتقين، وهذا استدلال غير صحيح، لأن النجاح في أرض الواقع ليس دليلاً على المشروعية، وكذلك الإخفاق ليس دليلاً على عدم المشروعية، وإنما يلزم لذلك النوايا الصادقة في الإصلاح، واعتبار الأخذ بالضرورات كمسوغ لمشروعية هذا الأمر، وذلك للحفاظ على مصلحة الإسلام والمسلمين، وإذا كان الفرد المسلم يجوز له التفوُّه بالكفر عند الإكراه [النحل:106] لا لشيء إلا للإبقاء على نفسه والخلاص من أذى الأعداء أفلا يجوز لممثلي المتقين من الأمة أن يقعوا في تلك المخالفة الشرعية من أجل أن يُبقوا على وجود الإسلام في بلادهم وأن يحفظوا مصالح المسلمين من الاجتياح على يد أعداء الإسلام؟!.
ـ[خلوصي]ــــــــ[04 Apr 2010, 04:13 م]ـ
التحاكم إلى الطاغوت
التحاكم إلى محاكم القانون الوضعي يعدّ من التحاكم إلى الطاغوت.
والذين يتحاكمون إلى الطاغوت إن اعتقدوا جواز ذلك ورضوا به فإن ذلك من الكفر باللّه تعالى والإيمان بالطاغوت، فضلاً عن اعتقاد أن شرع البشر مماثل لشرع اللّه سبحانه أو أحسن منه أو جحد ما أنزل اللّه جل وعلا.
وهذا كله داخل في قول اللّه تعالى [النساء:60].
¥