تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما إذا تحاكم المسلم إلى المحاكم غير الشرعية وهو يكره حكمها ويعتقد أن وجودها مخالف للإسلام فإن كان غير مضطر إلى ذلك فإن هذا من المعاصي ولا يصل إلى الكفر، وإن كان مضطراً إلى التحاكم إليها لاستخلاص حقه أو الدفاع عن نفسه فهذا يعدّ من الضرورات الشرعية ولا يكون فاعل ذلك آثماً.

......

فالحكم بغير ما أنزل الله من أبرز أنواع الطغيان، وهو من أهم الدعائم التي يصل بها الجبابرة إلى تأليه أنفسهم لأنهم يُخضعون القوانين البشرية لأهوائهم.

مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام

لقد كانت مهمة الرسل عليهم السلام هي تخليص الأمم من عبادة الطواغيت إلى عبادة الله تعالى وحده، وإن اختلفت الأساليب التي انتهجوها في دعوتهم حسب توجيه الله تعالى لهم.

.......

ولما رأى سحرة فرعون أن سحرهم الكاذب قد بطل أمام معجزة موسى عليه السلام الحقيقية زال من قلوبهم كل ما كان فيها من تعظيم فرعون وتضخيمه، وأدركوا أن الهالات الضخمة التي تنسج حوله ما هي إلا أوهام في الخيال فرفضوا عبادته، وحل في قلوبهم تعظيم الله جل وعلا وإكباره فخضعوا لعبادته.

وكانوا أول المستنقذين على يد موسى عليه السلام، والصفوة الأولى التي آمنت به عن علم ويقين.

وبدا نجاح موسى ظاهراً من أول الطريق في مجال تجريد القلوب من الباطل وتحليتها بالحق.

.....

وإن ما قام به أولئك المؤمنون من تحدي فرعون والمقارنة بين عذابه في الدنيا وعذاب الله يوم القيامة ثم ثباتهم على الحق لما تصوروا وأيقنوا أن عذاب فرعون لا يقاس أبداً بعذاب الله تعالى .. إن ما قام به هؤلاء المؤمنون يعدّ خطوة كبيرة نحو تحرير تلك الأمة من طغيان فرعون.

وقد تمثل هذا النوع من محاربة الطغيان في دعوة رسول الله صلى الله عليه و سلم في إنكار هيمنة البشر على حق التشريع من دون الله تعالى، وهو شرك الطاعة.

ولقد نزل في توجيه النبي ج إلى تحطيم الطغيان البشري آيات كثيرة، منها:-

قوله تعالى [الأنعام:121 - 122].

وقوله تعالى [يونس:42 - 43].

وقوله تعالى s?Î) [ الأنبياء:45].

وقوله تعالى [الأنبياء:98 - 100].

وقوله تعالى [الزمر:64].

وقوله تعالى [الجاثية:7 - 10].

ولقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يجهر بتلاوة هذه الآيات وأمثالها ولا يداري المشركين بالإسرار بها، وكان من الأهداف الكبيرة والحِكَم البالغة من نزول هذه الآيات الشديدة على المشركين أن يتحطم الطغيان الذي عشش في أفكار زعماء الكفار وسادتهم، وأن يتلاشى شيئاً فشيئاً ما وقر في نفوس الأتباع من تعظيمهم والرهبة منهم.

.....

.....

ولقد كان يحصل من أولئك الطغاة غالباً تمجيد لأولئك الأتباع الذين يسيرون في ركابهم، وثناء عليهم بذكر فضائلهم، وما ذاك إلا لأن الطغاة لا يقوم وجودهم إلا على أتباعهم من عموم الناس، فإذا فقدوا هذه القاعدة سقطوا، فوجود كل من الطائفتين مرتبط بوجود الطائفة الأخرى.

وكما أن العامة محتاجون إلى الطغاة في بعض أمور معاشهم وتبوء المكانة الاجتماعية التي يطمحون إليها فإن الطغاة محتاجون إليهم لأنهم الركيزة التي يقوم عليها مجدهم، بل إن حاجة هؤلاء إلى العامة أعظم وأهم، لأن وجود مجدهم يقوم على أولئك العامة بينما يستطيع العامة لو عقلوا وتفكروا أن يتخلوا عنهم وأن يبحثوا عن ما يحقق مصالحهم في الدنيا والآخرة.

.....

إن ما قام به رسول الله صلى الله عليه و سلم من تحرير عقول الناس من تبعية طغاة البشر قد أتاح لهم فرصة عظيمة من التفكير والإبداع في هذه الحياة،

فليس أمام المؤمنين من يطلبون رضاه ويجتنبون سخطه إلا الله تعالى،

ثم هم بعد ذلك يتحركون غير مقيدين بالخضوع لبشر مثلهم، وإن كان الإسلام قد أوجب عليهم طاعة ولاتهم فإن ذلك من طاعة الله جل وعلا، ما دام الجميع خاضعين لذلك المبدأ العظيم وهو طلب رضوان الله تعالى واجتناب سخطه.

لقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مكلفاً بالقيام بشد الناس إلى العروة الوثقى التي تتمثل في دعوتهم إلى الإيمان بالله تعالى والكفر بالطاغوت [البقرة:256].

ولقد كانت الطاغوتية في عهده تتمثل في وجود الأصنام التي تعبد من دون الله جل وعلا، ووجود الطغاة الذين يطاعون من دون الله تعالى، فلذلك كانت دعوته إلى تحطيم الأصنام والطغاة، وإلى تقليص مكانة هذه الأوثان في نفوس عبادها.

وإننا حينما نعقد مقارنة بين دعوة رسول الله صلى الله عليه و سلم ودعوة موسى عليه الصلاة والسلام نجد أنهما قد توجها إلى هدف واحد وهو تحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، غير أنه لما كانت مظاهر الطغيان منشطرة في عهد النبي صلى الله عليه و سلم بين تعظيم الأصنام والطغاة كان توجهه إلى تحطيم هذا الطغيان من هذين الوجهين، ولكن جهاده يظهر بصورة أكثر في هجومه على الأصنام ومحاولة نزع مهابتها وتعظيمها من النفوس لأن عبادة الأصنام هي التي كانت تهيمن على نفوس العرب بشكل أعمق وأشمل، حيث إنهم أَلِفُوا الحرية فلم يكونوا يعترفون بأن بعضهم يعبد بعضاً وإن كانت بعض مظاهر هذه العبادة قد وجدت في طاعتهم العمياء لسادتهم.

أهمية الدعوة إلى الحكم بما أنزل الله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير