• إحسانه فى مواجهته لغريمه (مع الخصم)
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ:
لقد كان هم امراة العزيز هوالشهوة الباغية والمسرفة فى المرأة الناضجة المحصنة وكان هم يوسف الهم الفطرى الطبيعى الغريزى للشاب غيرالمحصن.
وماذا بعد؟ .... أما هى فقد سارت فى تفعيل همها قدماً فراودت ولمحت وغلقت وصرحت ولما أعرض عنها فاراً بدينه جرت خلفه وأصرت وتشبثت وقطعت.
وأما هو فقد سارقدماً فى مواجهة همه ففرإلى ربه مستعيذاً به وصرح بخشيته منه.
عقبات كثيرة تجاوزها يوسف عليه السلام وعلا عليها وانتصر ... انتصرفى ذاته وعلا وارتفع ... انتصرعلى نفسه وعلا وارتفع ... انتصرعلى غريمه وعلا وارتفع ... انتصرعلى الدوافع والرغبات ... انتصرعلى الحواجزوالأقفال فعلا وارتفع.
والخلاصة: أن يوسف كان إنساناً طبيعياً شابا فتياً بلغ أشده وملك الرغبة القوية والقدرة المستطيعة وجميع الإمكانات الداعية للإستجابة والقيام بالفعل والوقوع فى الفاحشة ولكن رصيده الإيمانى الأخلاقى الإحسانى وثوب العلم والحكمة الذى ألبسه فلبسه (برهان ربه) أسبغت عليه صلة متينة بالرب المنعم وقلباً رقيقاً ينبض بحبه ويتفطرمن خشيته وإيثارالآخرة الباقية على العاجلة الفانية.
إن برهان ربه هو حقائق الإيمان اليقينى بربه عز وجل وحقائق العلم والحكمة التى تشربها وحقائق الإيمان والإخلاص التى اصطبغ بها ... وحقائق النبوة وخصائصها وعصمتها التى اتصف بها.
هذه الحقائق وأدلتها الساطعة فى وجدانه ويقينه هى برهان ربه الذى رآه رؤية علم وحكمة وبصيرة ... فأنى لغيرالموصول بالله وبلقائه والخشية من وعيده أن يقول (مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَّ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).
إن النفس الإنسانية إذا تركت وشأنها بدون التفضل الربانى ببعث الرسل وإنزال الكتب للهداية والتعليم والتزكية فهى إن لم تصنع سوءاً فلن تخلق طاعة ولن تقوم بعبادة حقة ولن تزكو وتسمو وتنتصر فوق هواها الفاسد ... فمعظم الناس إن تركوا لهواهم من غير هدى وبرهان من الله فهم كامرأة العزيز.
إن قلب الإنسان كالمرآة إن صفت وسلمت استقبلت النوروعكسته وإن اتسخت وتشققت لم تستقبل نوراً ... ولواستقبلت شيئاً منه فلن تستقبله سليماً ولن تعكسه مستقيماً.
والمؤمن الصادق المخلص سليم القلب يجاهد دوماً على حفظ مرآته وصقلها وغيرالمؤمن قلبه فى مهب الريح وزوابع الغبار والأوسخة ... مرآته متسخة متكسرة وقلبه مريض مسود عليه الران.
ولما رأى يوسف برهان ربه جرى مسرعاً إلى الخارج يفتح الأبواب المغلقة وهى تلاحقه مسرعة لتدركه وهى فى هياج رغبتها وشهوتها الجامحة فأمسكت بقميصه لترده إليها فتقطع القميص من الأعلى إلى الأسفل وعند فتح يوسف للباب وهى من خلفه وجدا العزيزعند الباب ... مفاجأة غيرمتوقعة ووجود غيرمقصود لكنه كان فيه شئ من الراحة والألفة للنفس ... يوسف إنقاذاً له وخلاصا منها ومن ملاحقتها له وإغرائه بالفاحشة وهى لمنع يوسف من الخروج من البيت وفضحها أوالهروب إلى غير رجعة وهى ما تزال به متيمة ولهانة.
ورغم أنها هى الداعية الظالمة اللاحقة ويوسف هو الممتنع المظلوم الهارب السابق ورغم أن ثيابها كانت سليمة لم تمس وقميصه هوالمقطع من الخلف فقد كانت هى الأسبق فى الكلام وكان الجواب على لسانها حاضراً سريعاً وكأنها أعدته من قبل وحسبت لكل أمر حسابه ولكل موقف مخرجاً.
أليس هذا من الكيد العظيم؟ ... لقد استطاعت بكيدها العظيم أن تقلب الحقائق رأساً على عقب واستعملت صيغة الإستفهام والسؤال قبل أن تسأل ... وقاعدة الهجوم خيروسيلة للدفاع وإلقاء الكرة فى مرمى الطرف الآخر (يوسف الذى تفاجأ بالزوج وُأخذ غرة).
يا سبحان الله ما هذه المفارقة الشاسعة؟ ... يوسف كان حاضر البديهة عندما دعته للمعصية فقال فوراً (معاذ الله) ... وكانت هى حاضرة البديهة عندما أسقط فى يدها وتفاجأت برؤية سيدها فقالت على الفور (ما جزاء من أراد بأهلك سوءً ... )
¥