وهكذا قلبت الحق باطلاً والباطل حقاً ... فقد كانت هى الداعية وهوالممانع والآن هى المظلومة ويوسف هوالمدافع ... وبهذا قطعت الطريق على العزيز فلم تمهله ليفكرأويفتح فمه ويسأل ولم تنتظر منه جواباً وسكت العزيزوصمت ودافع يوسف عن نفسه ولم يملك من وسائل الدفاع إلا الصدق فقط ... ودافع الله عن يوسف الصادق (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُواْ) (الحج 38) .... فهيأ له شاهداً ومن أهلها لتكون شهادته أقوى وأصدق وأوقع وظهرت براءة يوسف ... ووضح كيد امرأة العزيز.
(فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ* يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ)
بعد أن عمم الزوج الإتهام ها هوالآن يصدرالأحكام إذ لا مناص ... فلابد له أن يقوم بشئ من فعل أوقول تجاه ما حصل فى بيته ... ولكنه اكتفى من الغنيمة بالإياب ومن العزيمة بالمقال فماذا قال؟
يوسف أعرض عن هذا .. أى اسكت عن هذا الأمر فلا تأت بذكرله مطلقاً كأنه لم يكن
واستغفرى لذنبك إنك كنت من الخاطئين ... فلا عقوبة ولا قصاص ... أسقط الحق الخاص وأغفل ذكر الحادثة وأتى فقط بطلب الاستغفار منها لذنبها ... ما هوالذنب؟ لم يصرح به.
هذه المقالة وهذا الحكم من الزوج يدل على أنه ضعيف النفوذ فى بيته .. ضعيف المواجهة مع امرأته ويدل على نفوس مريضة نظرتها إلى الفساد نظرة سطحية ظاهرية مصلحية ... ويدل على مجتمع فاسد فاقد للقيم الأخلاقية الحقة لا ينظرإلى الفساد عيباً فى ذاته بل فيما قد يترتب عليه من فضائح اجتماعية تؤثرعلى الوضع الإجتماعى والمركز النفوذى (تماماً كما يحدث اليوم فى المجتمعات العلمانية فالفاحشة عندهم ليست رذيلة فى ذاتها ولكن الرئيس أو ذى النفوذ إذا فعلها ثارت عليه وسائل الإعلام لا غيرة على الفضيلة بل ابتغاء للفضيحة وتحقيق بعض المكاسب الرخيصة منها أوابتزازاً وتاثيراً على نفوذه وسلطانه وفرص إعادة انتخابه).
ثم ينتقل السياق ليتحدث عن صدى الحدث السابق فى المجتمع النسائى فى المدينة وهو فى الحقيقة صورة طبق الأصل لكل مجتمع مدنى خالى من القيم الدينية والأخلاقية الحسنة وبعد أن كان الحدث محصوراً فقط بن امرأة العزيز ويوسف ومن ثم العزيز والشاهد نرى صداه الآن بين جماعة من نسوة المدينة (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضلالٍ مُّبِينٍ).
وإننا لنكتشف وراء هذا الحديث بالإتهام عقلية وصفات هذا المجتمع (الراقى) الظالم الفاسد وأن رقيه لم يكن إلا مظاهر مادية زائفة وقشور براقة تطغى عليها مشاعرالحقد والحسد والغل والغيرة والفوارق الطبقية والتلذذ بعيب الناس وفضح سوءاتهم ونشر مساوئهم
وهكذا فإن جوهرملامتهن لامرأة العزيز انصب على القشوروالمظهر فلم يلمنها على أنها سعت إلى الفاحشة أولخيانة زوجها أوظلمها ومحاولة إيقاعها بشاب طاهر واتهامها لإنسان برئ بل حصرن الملامة والإنتقاد فى النظرة الطبقية الإجتماعية الفاسدة والنظرة الجنسية الخاطئة ... وهكذا لا تنظر المجتمعات الجاهلية إلى الفساد والخطيئة من حيث هى فى حقيقتها بل من حيث نظرة ذلك المجتمع إلى الأمور (يأكل اللب النتن ويعيب القشور).
(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا وَءَاتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مَّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ* قَالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّن الصَّاغِرِينَ)
لما سمعت امرأة العزيز بمكرهن أرسلت فى دعوتهن وأعتدت لهن مجلساً مريحاً وفراشاً وثيراً وآتت كل واحدة منهن سكيناً لتقطيع الطعام وتناوله
¥