لا شك أن امرأة العزيز كانت على درجة كبيرة من الكيد والدهاء ... فدعوتها للنسوة لم تكن للإكرام أوالتسلية ... والمتكأ لم يكن لزيادة الإكرام والتأهيل ... والسكاكين لم تكن لزيادة الأدب فى المائدة بل كان قصدها الأول تأمين الجوالمناسب لشدة الإنبهاربجمال يوسف والإفتتان به فيقمن بأعمال لا شعورية من تقطيع غيرالطعام بالسكاكين تجعله دليلاً تمسكه عليهن وتسكتهن به وينقلب الأمر به لصالحها فبدل أن تكون هى الضعيفة أمامهن يصرن هن الضعاف أمامها ومعها الدليل الظاهرالباقى.
وبعد ماتحقق لها ما كادت لهن وبعد أن أقامت عليهن الدليل الثابت الملموس وصرحت لهن بما كان منها مع يوسف وأفشت لهن سرها ... ذلك أنها لم تعد تخشي منهن مكراً ولا ملاماً فقد صرن شريكات لها وبالدليل ... واستطاعت أن تخرس ألسنة النسوة بل وفوق ذلك تتوعد وتنذروتؤكد وتجزم وهى تملك السلطة على تحقيق ذلك.
لقد دلت شخصية امرأة العزيزعلى الكيد العظيم للنساء .. فقد كان كيد امرأة العزيز والذى ظهرجلياً فى كل أفعالها مثالاً لكيد المرأة العظيم عندما تعالج أمراً بالغ الأهمية لها تريد وتحرص عليه ولا يظن أحد أن العيب فى جبلة النساء وصفاتهن الفطرية فالصالحات حافظات للغيب بما حفظ الله ... بل العيب فى المجتمع الذى أفسدهن فأفسدن (فى دائرة مغلقة وحلقة مفرغة) ولهذا كان من أولويات شياطين الإنس والجن إفساد النساء ليسهل لهم إفساد المجتمع كله فى حاضره ومستقبل أجياله.
(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن منَ الْجَاهِلِينَ)
هذه هىالكلمة الثالثة ليوسف بعد البلوغ والحكم والعلم والإحسان وفى موضوع ابتلائه بامرأة العزيز وتسلسلاته ... (قال معاذ الله) ... (قال هي راودتني عن نفسي) ... (قال رب السجن ... )
يا رب ... إن السجن وعذابه أحب إلى نفسى من أن أعصيك.
يا رب ... إن تحقق لهن ما أردن فأسكون السجين فعلاً والصاغر يقيناً.
يا رب ... أنت الوحيد الذى بيده الأمر كله والقادر على كل شئ ... فأنا لا حول ولا قوة لى إلا بك وإن ُتركت لنفسى ُتركت لضعف وعجز وجهل
يا للقمة الإيمانية الشامخة ... ياللمعرفة بالله العالية
وهكذا يرشدنا يوسف وهو فى محنة الإبتلاء إلى الإتجاه السليم والملجأ الأمين المكين الذى لا ملجأ إلا إليه ولا منجى إلا به ... يعلمنا أن نفرإلى الله (ففروا إلى الله) إذ بيده الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله ... فالنفس الإنسانية مهما بدت قوية فهى ضعيفة إلا به وإنا إن ركنا إلى غير الله فقد ركنا إلى ضعف وعجز ... وتوكأنا على هباء.
وإنا إن توكلنا على الله واستعنا به فقد ركنا إلى ركن شديد واستعنا بقوى معين.
لقد أكد يوسف أن الأنس مع الله فى الطاعة ولو فى السجن أحب إلى قلب المؤمن من البعد عنه فى المعصية ولو كان فى القصور مع الحور.
وهكذا ما أن نادى يوسف ربه ودعاه صادقاً مخلصاً حتى استجاب له ربه ومولاه (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) (النمل 62).
وهكذا ينتهى مشهد (وليمة النسوة) لينهى الفصل الأخير من فصول المراودة والإغواء الذى ابتلى به يوسف بنجاحه فيه مع مرتبة الشرف والإحسان ... لينتقل الحديث مباشرة إلى (يوسف فى السجن).
يتبع إن شاء الله
ـ[حكمت العلي]ــــــــ[13 Jan 2010, 12:37 ص]ـ
رائع ... بارك الله فيك
زدنا منه