تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لم تكن ساعة التشفى والإنتقام والتكبروالإستعلاء ... أوعلى الأقل العدل والقصاص

بل كانت ساعة الإنتصار على النفس والشيطان ... ساعة الحب والكرم والإحسان ... ساعة فيض العقيدة الإيمانية وبسط سلطانها على المسالك السلوكية ... ساعة انتصار الإنسان على الهوى والشيطان.

لقد كان خطابهم للعزيز فاتحة الخير والخطوة السليمة فى الإتجاه الصحيح فما كان من يوسف وقد رأى هذا فى القلوب والوجوه إلا أن ُيبدى لهم ما أخفاه ويظهر لهم ما كان يتوق إلى إظهاره ويكشف لهم حقيقة أمره ف (قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ* قَالُواْ أَءِنَّكَ لأنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).

فى هذا الموقف العظيم – موقف الفصل والحساب والجزاء – لا يذكر يوسف فيه إلا الله ونعمه وألاءه وأمره وحكمه وكرمه وإحسانه ... وأسقط حظ نفسه وتجاوز عن حقه.

هذا هو نبى الله يوسف وهذه هى صورة من الصلة الصادقة بالله والإخلاد إليه ومن الإجتباء والإصطفاء والإحسان ومن الهدى المقتدىُ (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه) (الأنعام 90).

وفى هذه اللحظة رأى الأخوة الحق فأقروا به صادقين صاغرين ولو كان فى غريمهم ورأوا الباطل باطلاً فأقروا به نادمين تائبين ولو فى أنفسهم و (قَالُواْ تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ).

إن معرفة الأمرعلى حقيقته والإعتراف به وترك العناد والإصرار على الباطل وتجريده من كل مؤثر يخرجه عن حقيقته هى أول وأهم خطوات التوبة الصادقة على عكس من زين له سوء عمله فرآه حسناً ومن هم على الباطل ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً ... وعلى عكس من أصر وعاند واستكبر وسوغ كالشيطان قال (أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) (الأعراف 12).

وهنا تتجلى عظمة يوسف عليه السلام ... فلا ملامة ولا توبيخ ولاعتاب (قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَأَرْحَمُ الرَاحِمِينَ).

يا سبحان الله؟ ... أين الحقد والتشفى؟ أين الإنتقام ولو بعدل القصاص؟ أين ذكر ما كان وفضح العيوب وكشف الأستار؟

إن هذا الموقف يذكرنا بموقف النبى عليه الصلاة والسلام فى فتح مكة حين قال لأهلها (ما تظنون أنى فاعل بكم؟) قالوا: خيرا ... أخ كريم وابن أخ كريم ... قال وأنا أقول كما قال أخى يوسف (لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء).

وهكذا ينتهى فى هذا المشهد ظلم الأخوة ليوسف وأخيه بخاتمة الحسنى وتعود المياه إلى مجاريها وتصفو النفوس ويتآخى الأخوة بإخوة الإيمان الحقة الصادقة.

ثم قال يوسف لإخوته (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ).

فكما ألقيتمونى فى الجب فأحزنتم أبى وأشرف على الهلاك ... ألقوه على وجهه فيرتد بصيراً

وبالقميص ... قميص يوسف ستنتهى تلك الرحلة الطويلة من المعاناة فقميصي الذى كان شاهداً عليكم بالمعصية عسى أن يكون شاهداً عليكم بالصلاح والمغفرة.

وهكذا انتهى آخر حوار بين يوسف وإخوته فى هذه القصة الكريمة.

7.من الرؤيا إلى الحقيقة (الآيات94 - 101)

وتحركت من مصر قافلة البشير تحمل قميص يوسف ... فقال يعقوب وهو جالس بين بعض أبنائه (إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ* قَالُواْ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ* فَلَمَّآ أَن جَآءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ* قَالُواْ يا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ* قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)

وهكذا يجب على المذنب أن يبادر فور تذكره وندمه بالتوجه القلبى المباشر إلى ربه منيباً إليه تائباً مستغفراً ... ولا يؤخر ذلك بحال من الأحوال ... كى يطهر قلبه فيحصنه من نزغ الشيطان ومن وسوسة النفس ومن تراكم الذنوب وتثاقل الران عليه ... وهو أيضاً لا يدرى متى يحين الأجل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير