الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وبعد:
إن الله تعالى قد وصف كتابه بقوله:
(الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) سورة هود (1)
وقال تبارك تعالى:
(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) سورة النساء (82)
وكلام الجابري ينفي الإحكام عن الكتاب ويثبت التناقض والاختلاف وهذا لا أدري ما سببه هل هو قصور في فهم الجابري، أم هو تلبيس وتدليس؟
وربما كان الثاني هو الأرجح لأن من له أدنى بصيرة بفهم كتاب الله لا يمكن أن يقع في هذه الورطة الكبيرة حيث إن هذه المقوله الخطيرة يترتب عليها قضيتان خطيرتان:
الأولى: وصم القرآن بالتناقض.
الثاني: إلغاء الغاية من الرسالة الخاتمة التي أرسل بها النبي صلى الله عليه وسلم.
ولن أطيل في الاستدلال على بطلان كلام الجابري فسقوطه ظاهر، ولا أدل على سقوط كلامه من سورة العنكبوت التي استدل بآية منها لتزكية فهمه وأنى له ذلك والله تعالى يقدم لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم خليله إبراهيم مثالاً كي يسير على طريقته في دعوة أهل الباطل ونسف معتقداتهم وبيان عوارهم:
(وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18))
كيف يزكو فهم الجابري والله يقول في نفس السورة:
(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43))
لقد كان على النبي صلى الله عليه وسلم ـ حسب فهم الجابري ـ أن يحتفظ بهذا الكتاب لنفسه ولا يتلوه ولا يبلغه ولا يجاهد من أجل تبليغه.
إن الله لم يسو بين الأغيار كم زعم الجابري بل قد فصل ومايز بينهم، وبين من هو على الحق ومن هو على الباطل، وبين الصحيح من غير الصحيح وهذا لا يتعارض مع كون الله يفصل بينهم يوم القيامة.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[12 May 2010, 11:24 م]ـ
ورد هذا المقال في موقع الأستاذ الجابري، وقد ارتأيت اقتباسه هنا لنتحاور في الأفكار
الواردة فيه لما للموضوع من أهمية تمس كل واحد منا. قال رحمه الله:
واضح إذن أن "الغيرية" في القرآن لا تعني أكثر من مجرد الاختلاف، وأنه من حيث المبدأ، لا شيء هنا يقرر الكراهية لـ"الغير" أو النفور منه أو احتقاره أو اعتباره على خطأ، بل كل ما يقرره القرآن، انطلاقا من هذا المبدأ، هو الدعوة إلى الحوار، إلى الجدال بالتي هي أحسن، إلى إفهام أهل الديانات السماوية الأخرى أن الدين المنزل من عند الله واحد، يوحد ولا يفرق: "وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (العنكبوت 46). وهذا هو منتهى التسامح في الدين، التسامح مع من ينتمون إلى الديانات السماوية المختلفة؛ إنه تسامح يتجاوز الحوار والاعتراف المتبادل إلى التماهي في القضية الأساسية قضية التوحيد.
كلام يتناقض مع ما قرره في فقرته السابقة ومتناقض مع نفسه فآخر كلامه ينقض أوله ثم هومصادم لما قرره القرآن:
(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) سورة الممتحنة (4)
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) سورة التوبة (68)
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.
¥