تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ليس ذلك فقط، بل إن القرآن فى قوله تعالى من سورة "الليل": "وما خَلَقَ الذَّكَرَ والأنثى" قد استخدم الاسم الموصول: "ما" للدلالة على الله سبحانه. فما قول عالمنا الجليل فى هذا؟ لقد ذكر النحويون أن "ما" قد تستخدم للعاقل مثلما تستخدم لغيره. وهو نفسه يقول ذلك، إذ كتب فى تفسير هذه الآية ما يلى: "وَمَا خَلَقَ: والقادرِ العظيم القدرة الذي قَدَر على خلق الذكر والأنثى من ماء واحد ... وقرأ ابن مسعود: والذي خلق الذكر والأنثى ... "، وهو ما يدل على تسرع الزمخشرى فيما قال عن إلحاق المرأة بغير العاقل بسبب استعمال القرآن "ما" لها.

قد يقال إن الزميل العزيز إنما عرض ما يقوله البلاغيون القدماء عن المرأة، فهو ناقل لكلامهم ليس إلا. لكن فات من يقول هذا أن القدماء لم يقولوا كلهم هذا ولا أن من قال هذا منهم كان يقصد المعنى الذى فسره به الزميل العزيز، أو لم يقل سواه، بل هناك كلام طيب كثير عن المرأة فى تراثنا، وكان ينبغى أن يورد الزميل العزيز كلا الكلامين. أما أن نورد جانبا واحدا من الكلام ونهمل الجانب الآخر فهذا معناه أن الصورة التى نقدمها لموقف القدماء من المرأة صورة مضللة. ولسوف نأتى مما أُثِر عن القدماء بما يجرى عكس هذا المجرى تماما، فضلا عما قاله القرآن والحديث. ولا يعقل أن المسلمين جميعا قد أهملوا وصايا قرآنهم وأحاديث رسولهم وعَمُوا وصَمُّوا تماما عنها وانطلقوا فى وادٍ يعاكس الوادى الذى تسير فيه تلك النصوص الكريمة. إن معنى هذا أنهم على بَكْرَة أبيهم كانوا يتوخَّوْن مناقضة الإسلام أو كانوا كلهم فى أحسن الأحوال لا يفهمونه. وذلك أمر لا يسوغ فى العقل بحال.

فهذا هو الزمخشرى يقول مثلا عن المرأة فى تفسير الآية 195 من سورة "آل عمران" إن قوله عز شأنه "مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى?" هو "بيان لعامل "بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ"، أي يجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد، فكل واحد منكم من الآخر، أي من أصله، أو كأنه منه لفرط اتصالكم واتحادكم". وحتى لو أخذنا بما يقوله بعض المفسرين القدماء، ومنهم هو نفسه، من أن حواء قد خُلِقَتْ من ضلع آدم كما هو الحال فى النص التالى الذى يتناول فيه رحمه الله تفسير الآية الأولى من سورة "النساء": "يا أيُّها ?لنَّاسُ: يا بني آدم. خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ: فرّعكم من أصل واحد، وهو نفس آدم أبيكم ... والمعنى: شَعَبَكم من نفس واحدة هذه صفتها، وهي أنه أنشأها من تراب، وخلق زوجها حواء من ضلع من أضلاعها"، فهذا معناه أن حواء قد خُلِقَتْ على شاكلة زوجها: فى الخطوط العامة، مع الاختلاف طبعا فى عدد من التفاصيل التى لا يمكن نكرانها مما نعرفه جميعا: فهى مثلا تحمل، والرجل لا يحمل، إذ لها رحم، وليس له. وهو أقوى منها عضليا وأكثر تحملا لمشاق الحياة وأطول بالا. وهى بارزة الصدر والأرداف، وهو لا. وهى طويلة الشعر، وهو قصيره. وعضوها التناسلى يختلف عن عضوه، فعضوه إلى الخارج، وعضوها إلى الداخل. وهى بوجه عام سريعة الانفعال، وهو أكثر أناة. وهى تحتاج حمايته، وهو عادة لا يحتاج هذا منها. أما العقول والعواطف والمشاعر فهى مشاعة بين الاثنين، وإن كان لها لدن كل منهما نكهتها التى تميزها عن نظيرتها لدى الآخر، وإلا فلم خلق الله البشر نوعين اثنين ولم يجعلهما خلقا وحيد النوع يتولد ذاتيا دون حاجة كل نوع بل لهفته الجارفة إلى الالتحام بالآخر؟

أما أنا فأفهم الآية على أساس أن الله تعالى قد خلق آدم وحواء كليهما من نفس واحدة هى النفس البشرية التى تتحقق فيها خصائص النوعين جميعا، ثم لما شعبها نوعين ذهب كل نوع بخصائصه التى تميزه عن النوع الآخر، مع السمات العامة المشتركة بين الذكر والأنثى. وأحسب أن تفسير الآية على هذا النحو أكثر استقامة وأدنى إلى التوافق مع تركيب الكلام فيها. وأما تفسير من فسرها من العلماء على أنها مخلوقة من ضلع آدم فأغلب الظن أنهم يرددون ما ورد فى ثانى إصحاحات سفر "التكوين" من العهد القديم، إذ نقرأ فيه: "21فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا. 22وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. 23فَقَالَ آدَمُ: «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير