تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ» ".

وربما اعتمد بعض العلماء على الحديث الشريف الذى يقول: "استوصُوا بالنساء، فإن المرأة خُلِقَتْ من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه. فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج. فاستوصوا بالنساء"، فيفسرون الضلع بأنه ضلع آدم رغم أن الحديث يخلو تماما من أى ذكر أو إشارة إلى آدم. وحتى لو كان المقصود أنها فعلا خلقت من ضلع من أضلاع آدم، فما علاقة هذا بكونها معوجة؟ الحق أننا لو جرينا على هذا الفهم لقلنا إن أخلاق الإنسان وتفكيره ومشاعره ينبغى أن تكون كلها طينا فى طين، ولا يمكن أن تنظف أبدا، ما دام هو مخلوقا من الطين. وهل يقول بهذا عاقل؟ ولنفترض أنها فعلا قد خُلِقَتْ من ضلع آدم، ومن ثم لا بد أن تكون معوجة، أفلا ينبغى أن يكون الاعوجاج بالأحرى فى قَوَامها مثلا بدلا من طبعها ومزاجها ما دام الضلع شيئا ماديا يناسبه القوام، الذى هو شىء مادى، ولا يناسبه المزاج لأنه نفسى عقلى؟ ثم لماذا لا نقول أيضا على أساس من هذا التوجيه إن المرأة إنما خُلِقَتْ من ضلع آدم لتصد عنه الغوائل كما تفعل الأضلاع مع الشخص، إذ تحمى جنبيه من الصدمات والوخزات العنيفة؟

أما أنا فأفهم الحديث على أنه تصوير مجازى لغلبة عواطف المرأة عليها، فهى تنفعل وتتحكم فيها عواطفها أكثر مما هو حال الرجل. أما قول الإمام النووى، فى شرحه لحديث مسلم: "لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر"، إن حواء هى المسؤولة عن السقوط من الجنة، إذ زين لها إبليس الأكل من الشجرة وأغواها فأخبرت آدم بها فأكل منها، فلا أدرى كيف واتته نفسه به، وقد حسم القرآن الأمر بأن إبليس قد غرر بآدم وزوجه معا لا بحوّاء وحدها ثم أكملت هى الأمر بإغراء زوجها. بل إن القرآن ليركز الضوء على آدم فقط عند حديثه عن العصيان والغَوَاية: "فعصى آدمُ ربَّه فغَوَى". يؤسفنى أن أقول إن هذا أثر من آثار الإسرائيليات، إذ هو موجود فى العهد القديم، وإن كان سفر "التكوين" يجعل الحية لا إبليس هى التى توسوس لحواء على ما هو معروف.

وعودا إلى ما كنا بسبيل الحديث عنه نسوق ما ساقه الزمخشرى مثلا فى "أساس البلاغة" من تعبيرات مجازيّة قالها العرب فى حق المرأة تدل على أنهم كانوا يقدرونها، فكنت أحب للزميل العزيز أن يتنبه إليها وإلى ما تدل عليه. قال الزمخشرى: "ومن المجاز: مَنْ أُمّ مثواك؟ وبلغت الشَّجَّةُ أُمَّ الدماغ، وهي الجلدة التي تجمعه ... وما أشبه مجلسك بأُمّ النجوم، وهي المجرة لكثرة كواكبها. وهو من أمهات الخير: من أصوله ومعادنه"، "ويقال للصدفة: أُمّ تُومَة"، "وفلان يتوسد أذرع بنات الليل، وهي المُنَى". ويمكن أن نضيف إلى ذلك أيضا: "أمهات الكتب"، و"لم ينبس ببنت شفة"، و"هذا من بنات أفكارى" ... إلخ. وفى "أساس البلاغة" أيضا: "هذه امرأة أنثى: للكاملة من النساء ويقول العربى: "حلبتُ بعيرى"، وهو يريد الناقة، مما يدل على أن البعير والناقة (أى ذكر الجمل وأنثاه) عند العربى سيان فى مثل هذا الأمر الذى يختص بالأنثى، ولا مدخل للذكر فيه بأى حال. وفى "أساس البلاغة": "قال بدوي لآخر: هل لك بيت؟ أي امرأة "، فجعل المرأة هى البيت كله، أى البناء وما يحويه من أثاث وناس.

وإذا كان الزميل العزيز يأخذ على العرب القدماء تشبيههم المرأة أحيانا بالحيوان أو النبات أو الجماد ظنًّا منه أن هذا خاصّ بها وحدها وأنه دليل على تحقيرهم لها وإخراجهم إياها من عالم الإنسانية إلى عالم الحيوانات والنباتات والجمادات، فما رأيه فى المجازات التالية: "فلانٌ جُحَيْش وَحِْده، وعُبَيْر وَحْدِه: في ذم المستبد برأيه والمستأثر بكسبه ... وقد يستعار للمُهْر والغزال ويُشْتَقّ منه للصبي. قال المعترض الظفري:

قتلنا مَخْلَدًا وابْنَيْ حرَاقٍ * وآخََر جَحْوَشًا فوق الفَطِيمِ

كذلك فكثيرا ما يشبَّه سيد القوم وقائدهم بـ"الكبش" كما فى قول عمرو بن معديكرب يذكر منازلته لخصمه فى الحرب:

نازلتُ كبشهمو، ولم * أر من نزال الكبش بُدًّا

وكقول لبيد بن ربيعة فى الحرب أيضا:

بِكَتائِبٍ تَرْدِي تَعَوَّدَ كَبْشُها * نَطْحَ الكِباشِ كَأَنَّهُنَّ نُجومُ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير