تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أقول هذا لأن الزميل العزيز قد ظن أن تكنية العرب عن المرأة بالنعجة معناه أنهم يرونها لا تستقل بنفسها ولا بأمرها، بل تحتاج إلى من يرعاها ويضبطها ويقوم بأمرها وينتفع بها كما هو حال النعجة (ص36). فهل يجد القارئ يا ترى فرقا بين النعجة والكبش من هذه الناحية؟ أم إن الكبش هو الذى كان يقوم قديما بأمر صاحبه العربى ويرعى شؤونه ويسعى لاكتساب الرزق ثم يقسمه بعد هذا بينه وبين صاحبه؟

وإذا كان الزميل العزيز يأخذ على البلاغة العربية، كما يقول، أنها تصف المرأة بأنها "حيّة" فإن تلك البلاغة ذاتها قد وصفت الرجل بأنه "حيّةٌ ذَكَرٌ" و"حيّة الوادى" و"صِلُّ أَصْلال"؟ لكن الزميل العزيز للأسف يسارع فيقول إنها فى حالة المرأة تشير إلى الغدر، على حين تشير فى حالة الرجل إلى الشجاعة، متجاهلا بيتا كالبيت التالى للنابغة الذُّبْيَانى:

ماذا رُزِئْنا به من حيةٍ ذَكَرٍ * نضّاضةٍ بالرزايا صِلِّ أَصْلاَلِ؟

فهو يجلب الرزايا على من يُبْتَلَوْن، بل يُرْزَأُون، به. فهل فى هذا أى افتخار أو مدح؟ إن الزميل العزيز إنما ينتقى ما يرى أنه يثبّت فكرته التى يعمل على نشرها بين القراء من أن العرب والمسلمين كانوا يحتقرون المرأة ويسيئون إليها ويصيرونها حيوانا وجمادا ونباتا. ولهذا السبب نراه يلوى وجه الألفاظ والعبارات كى تنطق بما يريدها أن تنطق به.

كذلك كان العرب يقولون عن الرجل السيد: "ثور القوم"، وبه كانوا يكنون عَمْرَ بن معديكرب. بل كان بعضهم يسمَّى: "ثورا" و"جحشا" و"بَكْرا" و"عثمان" (وهو فرخ الثعبان) و"ثعلبا" و"قُرَادا" و"خروفا": كالشاعر حُمَيْد بن ثور، وجحش زوج عمة الرسول وحَمِيه، وبكر بن وائل، وعثمان بن عفان، وثعلب اللغوى المشهور، وقراد بن حنش، وابن خروف مثلا. وكثيرا ما يكنون الرجل: فَحْلا، والفَحْلُ جملٌ، أى حيوان. ولم يقل أحد إنهم يهينونه بهذه التسمية. وإذا كان الزميل العزيز يستنكر كنايتهم عن مجامعة الرجل للمرأة بطريقة خاصة بقولهم: "رَكِبَها" واتخذها مطيَّة (ص37 وما بعدها)، فإنهم يقولون أيضا: ركب فلان فلانا بالسخرية أو بالإساءة، وركبه الهم، وركبه الدَّيْن، وركب فلانٌ ذَنْبا، وركب رأسه، أى سار معتسفًا أمره لا يطيع مرشدا. فكما ترى فالركوب واقع على الرجل والمرأة وغيرهما على السواء. كما أننا كثيرا ما نقول عمن تسيطر عليه امرأته إن امرأته تركبه، مع ملاحظة أنها هنا فى الزراية على الرجل، بخلافها فى الكناية عن الجماع، إذ تخلو من معنى الزراية، وتدل على اللذة. ويقول العرب: "أجررتُ فلانا رَسَنه: تركته وشأنه"، والرَّسَن هو اللجام، فكأنه دابة لها لجام. ومن ذلك أيضا: "خلع فلان رَسَنه وعِذَاره فعَدَا على الناس بِشَرٍّ". وهناك "ذؤبان العرب"، أى صعاليكهم. و"فلان فُرَيْخُ قومه"، أى مكرَّمهم. والفُرَيْخ هو الفرخ الصغير. كذلك نراهم يقولون: "المرأة راعية البيت" بما فيه الرجل طبعا، أو على الأقل: أولاده وماله وسائر أموره. والزميل الكريم نفسه قد أورد قول امرأة لعائشة رضى الله عنها تشير إلى زوجها وكراهيتها أن يفكر فى سواها: "أأقيّد جملى؟ " (ص43)، ومع هذا لم يجد فى ذلك الاستعمال شيئا يسىء إلى الرجل مع أنه لا فرق فى الاستعمال بينه وبين التكنية عن المرأة بالناقة. إلا أنه يرفض هذا، ولا يجد غضاضة فى ذلك. ومن أسماء الرجال الشائعة عند العرب: "جندب"، أى صرصور الحقل، و"حُنَيْش"، و"حُبَاب"، وهو الحيّة، و"أسد"، و"العبّاس" من أسماء الأسد، و"أسامة" من أسماء الأسد أيضا، و"عنترة"، أى الذبابة الزرقاء، و"طاووس"، و"عكاشة"، وهو العنكبوت، و"كلب"، و"كُلَيْب".

ومن مجازاتهم التى تشبّه الرجل أو تكنِّى عنه بالنبات والجماد قولهم: "زرَعَ الله ولدك للخير"، و"أستزرع اللهَ ولدي للبر"، و"فلان دعامة قومه" لسيدهم وسندهم. قال الأعشى:

كلا أبوينا كان فرع دعامةٍ * ولكنهم زادوا، وأصبحتُ ناقصا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير