تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والرجل لِبَاس المرأة مثلما هى لباسه، أى تبلغ به مخالطته إياها أن يصير كأنه ملابسها التى تباشر جسدها كما جاء فى الآية 187 من القرآن المجيد: "هُنّ لباسٌ لكم، وأنتم لباسٌ لهنّ". وكان الزميل العزيز قد أخذ على البلاغة العربية أنها تشبّه المرأة بـ"اللباس"، مستشهدا على ذلك بهذه الآية الكريمة (ص34، 46)، فها هى ذى البلاغة العربية تشبه الرجل أيضا باللباس، فما قوله فى هذا؟ ودعنا من أن انتقاده ذاك إنما يمس القرآن قبل أى شىء آخر. ويقول العرب كذلك: "خلعت فلانة زوجها"، وكأنه خاتم تخلعه من إصبعها وتلقيه بعيدا عنها. و"فلان رَحَى قومه"، أى سيدهم الذى يعصبون به أمرهم ويعتمدون عليه فى حل معضلاتهم. و"هو كَهْف قومه"، أى ملجؤهم. ولُقِّب خالد بن الوليد بـ"سيف الله المسلول". ومن أسماء الرجال عند العرب: "حنظلة" و"سَمُرَة" و"طلحة" و"سَلَمَة"، وهذه أسماء نباتات وأشجار، و"الفرزدق"، وهو الرغيف، و"جَبَل"، و"حزام"، و"كعب"، و"جَرِير"، والجزير هو الحبل. ومن تعبيراتهم: "رجلٌ شِسْعُ مالٍ"، أى بارع فى استثماره (والشسع هو ما نسميه الآن: رباط الحذاء)، و"صخر"، و"جندل"، و"درهم"، و"الكُمَيْت"، وهى الخمر، و"مِجَنّ"، وهذه أسماءجمادات.

أما قولُ الزميل العزيز إن العرب كانت تكنى عن المرأة بالحرث واتخاذُه ذلك عيبا يعيبهم به مستشهدا فى هذا السياق بقوله عز شأنه: "نساؤكم حرثٌ لكم، فأْتوا حرثكم أَنَّى شئتم" (البقرة/ 223)، فهو كلام غريب، إذ ماذا يريد أن يقول من خلال الزجّ بالقرآن فى هذا الموضع؟ ليس هذا فحسب، بل يزيد فيعلق على تفسير بعضهم للأرض التى لم يطأها المسلمون فى قوله تعالى فى سورة "الأحزاب" مشيرا إلى يهود بنى قريظة: "وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطأوها" بنساء اليهود بأن فى ذلك بقايا من أساطير ما بين النهرين، تلك التى كانت تؤنّث الأرضَ وتذكّر السماءَ، على عكس الأساطير المصرية القديمة التى كانت تؤنّث السماء وتذكّر الأرض. الله أكبر! لقد وصلت الأمور هنا إذن إلى الأساطير! مع أن المسألة لا تعدو التشبيه المباشر، إذ شُبِّه الرَّحِم بالأرض المستزرَعة، وماءُ الرجل بالبذور، فما المشكلة فى هذا؟ وأين دخل السماء هنا؟ وهذا إن كانت الأرض فى الآية معناها النساء، وهو ما لا يمكن أن يكون، إذ إن نساء بنى قريظة جمع، فهن لسن أرضا واحدة، بل أرضين كثيرة، فضلا عن أن عبارة "لم تطأوها" لا معنى لها: لأنه إذا كان المقصود أن المسلمين لم يطأوا نساء يهود بعد سبيهم لهن فما وجه الامتنان فى ذلك؟ وإذا كان المقصود أنهم لم يكونوا قد وطئوهن قبل الغزو فهذا أمر طبيعى، إذ المسلمون لم يكونوا أمة من الزناة حتى يمكن أن يجول فى خاطر أى أحد أنهم وطئوا نساء بنى النضير من قبل. ومن ثم فلا معنى للنص على ذلك فى الآية الكريمة. ولقد رجعت إلى تفاسير الطبرى والقرطبى والبغوى وابن كثير والبيضاوى والنسفى والجلالين والشوكانى فلم أجد شيئا من ذلك، بل كان تفسير الأرض التى لم يطأها المسلمون هى البلاد المفتوحة، وليس النساء.

كذلك لا أدرى، ولست إخال أدرى، وجه العيب فى تشبيه المرأة فى آية "البقرة" بالحرث. ترى هل الحرث شىء مهين؟ إن القرآن هنا إنما يوضح للمسلمين أن أى وضع يتخذه الرجل فى معاشرة امرأته جائز ما دام يأتيها فى قُبُلها. وهذا معنى الحرث، أى الأرض التى تُسْتَزْرَع فتنبت. أما إتيان المرأة فى دبرها فوضع للبذرة فى غير حرث لأن ذلك لا يؤدى إلى تلقيح أو حمل. ولا على المسلمين بعد ذلك أن يأتوها من الأمام أو من الخلف أو من الجنب ما داموا يأتونها فى قُبُلها. المهم أن يكون الإتيان من خلال السبيل الشرعى الطاهر لا على سنة الشواذّ الأنجاس.

وأما قول الزميل العزيز إن العرب كانوا يكنون عن المرأة بـ"النعل" (ص48 - 49) فهل كانت هذه التكنية منتشرة بين العرب؟ أم هل استخدمها مرةً أحد الضائقين بزوجته فى بيت شعر فظُنَّ أن العرب جميعا كانوا يستعملونها فى هذا المعنى؟ ذلك أننى بحثت، عن طريق الباحث الألكترونى، فى نحو ستمائة كتاب من كتب التراث فلم أعثر عليها إلا عند الثعالبى فى كتابه: "نَثْر النَّظْم وحَلّ العقْد" منسوبة إلى عمر رضى الله عنه. وعمر بَشَرٌ من البَشَر، إذا كان قد قال ذلك فعلا فهو رأى خاص به لا يلزم غيره، وليس قرآنا كريما. وعلى أية حال فلسنا نقول

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير