تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن كل شىء كان طيبا بالنسبة إلى المرأة فى الحضارة العربية، ولا أن المرأة فى علاقتها بالرجل كانت دائما وأبدا ملاكا طاهرا، إذ لا يمكن أن يخلو مجتمع من المجتمعات من عيوب ومآخذ. لكن المشكلة تكمن فى الدعوى العريضة الطويلة التى ادعاها الزميل العزيز على العرب جميعا طوال تاريخهم كله زاعما أن وضع المرأة لديهم كان فى غاية السوء والحقارة، وأنه لم يكن هناك فيما يخصها بصيص من ضوء.

بل إنه لينكر على اللغة تسميتها الزوج: "بَعْلاً"، إذ هو لا يقبل أن يكون الزوج رئيسا وقوّاما على البيت، وهو المعنى الملحوظ فى كلمة "البعل" (ص49 - 50). وليت شعرى ماذا فى لفظ "البعل" حتى يستنكره الزميل العزيز؟ أليست الأسرة شركة؟ أليست كل شركة ينبغى أن يكون لها قَيِّمٌ ورئيسٌ؟ ألم يقل القرآن المجيد: "الرجال قوّامون على النساء"؟ ألم يقل: "وللرجال عليهن درجة"؟ ولنفترض أن ذلك ليس قرآنا، فما وجه العيب فيه؟ ولماذا يراد للأسرة وحدها دون سائر الشركات أن تبقى دون رئيس؟ أم هو تمرد والسلام لوجه التمرد؟ إن القول برئاسة الرجل للبيت ليس دعوة إلى استبداده بالمرأة، بل هو تنظيم إدارى إن صح القول. وماذا فى تنظيم كهذا؟ أم ينبغى أن يترك الأمر فوضى لا ضابط له ولا رابط؟ إن الرجل أقوى من المرأة وأقدر على تسيير أمور الأسرة، وإن لم يعن هذا أنْ تُجَرَّد المرأة من كل سلطان، إذ لها سلطانها متمثلا فى إدارة أمور المعيشة والسهر على راحة أفراد أسرتها مثلا. ولا ينبغى أن يقال هنا إنها ليست خادمة، وإلا فسوف يقال هذا عن الرجل، إذ هو أيضا يخدم أفراد أسرته فى نواح أخرى. وبعضٌ لبعضٍ، وإن لم يشعروا، خَدَمٌ كما قال الشاعر.

وقد أنكر الزميل العزيز على لغة العرب أن تكنى عن المرأة بـ"الرَّحْل" فى مثل "حوَّلتُ رَحْلِى الليلة" بمعنى تغيير وضع الجماع (ص40 - 41). فماذا هو قائل إذا عرف أنهم كانوا يستخدمون الرَّحْل فى التكنية عن الرجل، وعن الأمر من الأمور كذلك، أيضا؟ جاء فى كلامهم: "رَحَلْتُ الرَّجُل رَحْلاً وارتحلته ارتحالاً: ركبته. وعن النبي صلى الله عليه وسلم حين ركبه الحسين فأبطأ في سجوده: " إن ابني ارتحلني ". ولأَرْحَلَنَّك بسيفي، ورَحَلَه بسيفه: إذا علاه به. ورَحَل الأمرَ وارتحله: ركبه. وارتحل فلان أمرا ما يطيقه".

ولقد وقف الزميل العزيز إزاء تشبيه المرأة فى بعض نصوص التراث العربى بالقيد والغُلّ، وانطلق فى فاصل من الإنكار والاستنكار على العرب القدامى متهما إياهم بأن بلاغتهم "تتصور علاقة الرجل بالمرأة وكأن تحرير الرجل لا يتحقق إلا بخلاصه من المرأة وتحرره من قيدها" (ص47 - 48). مرحى مرحى! إذن فالمظلوم، يا زميلى العزيز، هو الرجل لا المرأة! والذى كان بحاجة إلى التحرر إنما هو الرجل لا المرأة! ألست أنت الذى تقول ذلك؟ ألا ترى أنك بهذه العبارة قد نسفت كل بحثك الذى أدرته على أن المرأة كانت محتقرة مهانة ذليلة مستضعفة مظلومة؟ الواقع أننى كدت أبكى بل أنهنه عطفا على المرأة العربية بسبب ما كتبه زميلى العزيز عن وضعها اليائس البائس. منهم لله الرجال. أشوف فيهم يا رب يوما! لكن الزميل العزيز يرتد فجأة فيقلب الأمر كله رأسا على عقب. إذن فلنقلب نحن الأسطوانة أيضا ونقول: منهن لله النساء. أشوف فيهن يا رب يوما!

والطريف أننى كنت أناقش زميلى العزيز منذ أيام، وكان فى زيارة شرفنى بها فى مكتبى، وجاءت سيرة النساء، فبوغتُّ بأن رأيه فيهن هو الرأى الذى يأخذه صدقا أو باطلا على العرب القدماء، فعلقت ضاحكا: ألا ترى يا زميلى العزيز المفارقة العجيبة؟ إن رأيك فى النساء لسيئ شديد السوء، بعكس رأيى أنا الرجعى المتخلف، فإنى لا أقول فيها معشار ما تقوله الآن. وضحكت، وضحك هو أيضا. وكنا قد تناقشنا فى هذا البحث قبل عدة أسابيع، فكان رأيى أنه قد ظلم التراث والتاريخ والمجتمع العربى، إذ صوره وهو يعامل المرأة معاملة غير إنسانية طبقا لبعض النصوص التى امتلخها من هنا ومن ههنا والتى لا تعبر مع ذلك عن الحقيقة حتى فى نطاق قائليها، بل هى إلى الرواسم أقرب منها إلى الواقع الفعلى. ومن هذه الرواسم، ولكن على الضفة الأخرى، قولهم: "وضع فلان كتابا"، أى ألّفه. ولا يمكن أن يخطر فى بال عاقل أنهم يؤنثون الرجل ويجعلون منه امرأة تحبل وتضع. ولو كانت "الموضة" التى أتتنا هذه الأيام من الغرب هى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير