تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

جاء فى كتاب "الأذكياء" لابن الجوزى فى القِسْم الذى خصصه لذكاء النساء ما يلى: "قدم الحجاج على الوليد بن عبد الملك فصلى عنده ركعتين، وركب الوليد، فمشى الحجاج بين يديه، فقال له الوليد: اركب يا أبا محمد. فقال: يا أمير المؤمنين، دعني أستكثر من الجهاد، فإن ابن الزبير وابن الأشعث شغلاني عن الجهاد زمنا طويلا. فعزم عليه الوليد أن يركب، ودخل فركب مع الوليد. فبينا هو يتحدث ويقول: "ما فعلتَ بأهل العراق وفعلتَ؟ " أقبلتْ جارية فنادت الوليد ثم انصرفت، فقال الوليد: يا أبا محمد، أتدري ما قالت الجارية؟ قال: لا. قال: قالت: أرسلتني إليك أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان أن مجالستك هذا الأعرابي وهو في سلاحه، وأنت في غلالةٍ، غَرَرٌ. فأرسلتُ إليها أنه الحجاج بن يوسف. فراعها ذلك وقالت: والله لأن يخلو بك ملك الموت أحبّ إليّ من أن يخلو بك الحجاج، وقد قتل أحباءَ الله وأهلَ طاعته ظلما وعدوانا. فقال الحجاج: يا أمير المؤمنين، إنما المرأة ريحانة وليست بقهرمانة. لا تطلعهن على سرك، ولا تستعملهن بأكثر من زينتهن يا أمير المؤمنين. ولا تكن للنساء برَؤُوم، ولا لمجالستهن بلَزُوم، فإن مجالستهن صَغَارٌ ولؤم. ثم نهض فخرج ودخل الوليد على أم البنين فأخبرها بمقالته، فقالت: إني أحب أن تأمره بالتسليم عليّ، فسيبلغك بالذي يكون بيني وبينه. فغدا الحجاجُ على الوليد، فقال الوليد: ائت أم البنين. فقال: أعفني يا أمير المؤمنين. قال: فلْتَفْعَلَنّ. فأتاها فحجبته طويلا، ثم أذنت له ثم قالت له: يا حجاج، أنت تفتخر على أمير المؤمنين بقتل ابن الزبير وابن الأشعث؟ أما والله لولا أن الله علم أنك أهون خلقه عليه ما ابتلاك بقتل ابن ذات النطاقين ابن حواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن الأشعث. فلَعَمْرِي لقد استعلى عليك حتى عجعجتَ، ووالى عليك الهرار حتى عَوَيْتَ. فلولا أن أمير المؤمنين نادى في أهل اليمن، وأنت في أضيق من القرن فأظلتك رماحهم وعلاك كفاحهم، لكنتَ مأسورا قد أُخِذ الذي فيه عيناك. وعلى هذا فإن نساء أمير المؤمنين قد نفضن العطر عن غدائرهن وبعنه في أعطية أوليائه. وأما ما أشرت على أمير المؤمنين من قطع لذاته وبلوغ أوطاره من نسائه فإن يكنَّ إنما ينفرجن عن مثل أمير المؤمنين فغير مجيبك إلى ذلك، وإن كن ينفرجن عن مثل ما انفرجت به أمك البظراء عنك من ضعف الغريزية وقبح المنظر في الخَلْق والخُلُق يا لُكَع فما أحقه أن يقتدي بقولك. قاتل الله الذي يقول:

أسدٌ عليَّ، وفي الحروب نعامةٌ * فتخاءُ تنفر من صفير الصافرِ

هلا برزت إلى غزالةَ في الوَغَى * بل كان قلبك في جناحَيْ طائرِ

ثم أمرت جاريةً لها فأخرجتْه. فلما دخل على الوليد قال: ما كنتَ فيه يا أبا محمد؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين ما سكتتْ حتى كان بطن الأرض أحبَّ إلى من ظهرها. قال: إنها بنت عبد العزيز".

إن المرأة هنا، متمثلةً فى أم البنين، إنما تبدى رأيا وتتخذ موقفا يختلف تماما عن موقف الدولة التى يحكمها زوجها، وفى موضوع هو من أشد الموضوعات خطرا كما رأينا. ليس ذلك فحسب، بل إن زوجها نفسه هو صاحب فكرة إدخالها فى الأمر. وكان يعرف مسبقا أنها سوف تنتصر على رجل دولته الكبير. ثم إنه قد افتخر بها أيما افتخار. ونأتى الآن إلى العبارة التى نحن بصددها، وهى عبارة الحجاج، ولم يكن من الممكن أن يقول غير هذا، إذ كان يدافع بها عن نفسه ويبعد خطر المؤاخذة التى حسب أنه بسبيل التعرض لها عند الخليفة. فهل كنا نتوقع منه فى ذلك الموقف سوى هذا؟ وأيا ما يكن الحال هل وافقه الخليفة على ما قال؟ بالطبع لا. لكل هذا نرى أن الزميل العزيز قد أعطى العبارة حجما أضخم كثيرا جدا من حجمها وهوّل فى النتائج التى رتبها عليها أيما تهويل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير