تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

رويناه عن مسائل نافع بن الأزرق".

كذلك هل يصح القول بأن الإماء، بإبداعاتهن الشعرية، إنما كن يتمردن على الثقافة السائدة؟ بأية أمارة يا ترى كان ذلك؟ وأى حزب كان ينفخ فى أنوفهن ويوسوس لهن فى آذانهن كى يتخذن هذا الطريق الوعر؟ وكيف لم تهبّ الثقافة العربية فتقمع هذا التمرد؟ وما الذى كانت تمثله الإماء فى ذلك المجتمع حتى يقال إنهن كن يتمردن على ثقافته بكل تلك الجسارة العجيبة التى لم تستطعها الحرائر، فيسكت الرجال بل يخرسون تمام الخرس؟ أليست الإماء إنما هُيِّئْنَ لتسلية الرجال وإدخال السرور والبهجة على قلوبهم؟ أليس الرجال هم الذين كانوا يهيئونهن لتأدية تلك المهمة؟ فأين التمرد إذن فى هذا الأمر؟ وأنَّى لهن به؟ وكيف تسرب إليهن يا ترى؟ وهذا لو لم يكن النساء العربيات ينظمن الشعر منذ أقدم العصور. وبين أيدينا الشعر الجاهلى، ولسوف نجد فيه عددا كبيرا من النسوة الشواعر اللائى لم يكنّ إماء، بل حُرّات بنات حُرّات. وهناك عدد من كتب الأدب التراثية تؤرخ للإبداع النسائى الحر. فما القول فى هذا؟

يقول السيوطى فى "نزهة الجلساء في أشعار النساء"، والسيوطى كما نعرف من الكتاب المتأخرين أيام كانت الحضارة العربية قد بدأت تَأْسَن وتبتعد عن القيم الإسلامية، كما أن موضوع كتابه هو الشاعرات المتأخرات، أى القريبات من زمنه، يقول ذلك العالم الجليل مثلا عن ثواب بنت عبد الله الحنظلية الهمذانية: "قال ابن الطراح: شاعرة ماجنة ظريفة. ثم روى عن بعض الشيوخ قال: كانت ثواب بنت عبد الله من أشعر النساء وأظرفهن، وكانت من ساكني همدان. فنظرت يوما إلى فتى من أولاد التجار له رواء ومنظر، وَرَدَ همدانَ في تجارة له، فأعجبها ووقع بقلبها، فتزوجته. فلما دخل بها لم يقع منها بحيث تريد، ففَرِكَتْه، وأبغضها هو، ولم يستمر بينهما وِفَاقٌ، فقالت تهجوه:

إني تزوجت من أهل العراق فتى * مرزا ما له عرقٌ ولا باهُ

ما غرني منه إلا حسن طُرّته * ومنطقٌ لنساء الحي هيّاهُ

يقول لما خلا بي: أنت ... * وذاك من خجل مني تغشّاهُ

فقلت لما أعاد القول ثانية: * أنت الفداء لمن قد كان ... "

فهل يجوز الزعم بأن الإماء وحدهن هن اللاتى كن ينظمن الشعر ويمارسن صناعة الأدب؟ وهل يجوز الزعم بأن مجتمعا يتسع صدره لهذا المجون النسائى كان يمارس مع المرأة القمع والتهميش؟ أليس مما له مغزاه أن تتسع النفوس لكتابة مثل ذلك الكلام ولسماعه والتلذذ به والإبقاء عليه؟ ولا ننس أن السيوطى كان، فى المقام الأول، عالما من علماء الدين كما هو معروف. وأنا، وإن كنت لا أرحّب كثيرا بهذا اللون من الشعر، فإن مغزاه فيما نحن بصدده واضح لا يحتمل أخذا ولا ردا. والنساء اللاتى ترجم لهن السيوطى فى كتابه هذا كثيرات العدد.

لقد سبقك، يا زميلى العزيز، د. عبد الله الغذامى إلى القول بأن الإماء هن وحدهن اللاتى كن يمارسن الأدب دون الحرائر، إذ زعم فى كتابه: "المرأة واللغة" (ط3/ المركز الثقافة العربى/ الدار البيضاء/ 2006م/ 99 - 100) أن الجهل فى تلك العصور كان زينة للحرة، بينما كانت الثقافة زينة الجارية. وهذا نص ما قال: "لقد كان مجتمع الحكاية يسمح أو يفرض صورة الجارية المثقفة. وكانت الثقافة النسائية نوعا من الرق، وتمثل قيمة شرائية إضافية تزيد من سعر الجارية وتغرى بتسويقها. ولذا كانت الثقافة النسوية معادلا مضادا للحرية والسيادة، والمرأة الحرة لا تمارس الثقافة، سوى استثناءات يسيرة لا تشكل نسبة ذات اعتبار. وكثيرا ما يحدث التكتم على اسم المرأة الحرة إذا ما صارت على قدر من الثقافة المحتكَرة (الصواب: "المقصورة") على الجوارى، مثل حال علية المهدى. فالجوارى وحدهن المثقفات، وهن وحدهن من يحتجن إلى الثقافة. ولذا فالثقافة لهن بضاعة وتجارة مثلما أن جسد الجارية بضاعة وتجارة. ومن شأن هذا النوع من الثقافة أن يكون مادة معروضة للفحص والامتحان والتقييم. إنها إذن ثقافة كشف وعرض. ومن مسلمات ذلك العصر أن جهل الحرة لا يضر، وربما كان مطلوبا ومفضلا، أما ثقافة الجارية فهى مطلب تجارى مُلِحّ. الجهل للحرة، والثقافة للجارية. هذا هو ظرف الحكاية وظرفها الاجتماعى". لكن ألم تقرأ، يا زميلى العزيز، أنت والغذامى ما كتبه أبو الفرج عن ثقافة سُكَيْنة وعائشة بنت طلحة مثلا أو ما ذكرته المراجع الأندلسية عن ولاّدة ونزهون وحميدة وغيرهن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير