تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من الحرائر اللاتى من ظهر أحرار وحرائر؟ ولم يكن هؤلاء مع ذلك استثناء من القاعدة، وكل ما هنالك أن المسلم، فيما يبدو، لم يكن يحب الكلام عن نساء بيته على الملإ.

يا زميلى العزيز، أَوَلَوْ كانت المرأة العربية بالهوان الذى تصوره فى بحثك أكان عمرو بن كلثوم يطيّر رقبة ملك المناذرة عمرو بن هند لمجرد أن أمه طلبت من أم الشاعر فى أحد المآدب الملكية أن تناولها طبقا بإيعاز من ابنها الملك، فعَزَّ على شاعرنا أن تبدو أمه وكأنها تخدم أم الملك، فما كان منه إلا أن سل سيفا كان فى المجلس الملكى وطير بها رقبته غسلا للعار الذى حسب أنه لصق بأمه. يقول صاحب "الأغانى" فى ترجمته لعمرو بن كلثوم: "قال أبو عمرو حدثني أسد بن عمرو الحنفي وكرد بن السمعي وغيرهما، وقال ابن الكلبي حدثني أبي وشرقي بن القطامي، وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة أن عمرو بن هند قال ذات يوم لندمائه: هل تعلمون أحدا من العرب تأنف أمه من خدمة أمي؟ فقالوا: نعم! أم عمرو بن كلثوم. قال: ولم؟ قالوا: لأن أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو، وهو سيد قومه. فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويسأله أن يُزِير أُمَّه أُمَّه. فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب، وأمر عمرو بن هند برواقه فضُرِب فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب. فدخل عمرو بن كلثوم على عمرو بن هند في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرواق. وكانت هند عمة امرئ القيس بن حجر الشاعر، وكانت أم ليلى بنت مهلهل بنت أخي فاطمة بنت ربيعة، التي هي أم امرئ القيس، وبينهما هذا النسب. وقد كان عمرو بن هند أَمَر أمَّه أن تنحي الخدم إذا دعا بالطُّرَف وتستخدم ليلى. فدعا عمرو بمائدةٍ ثم دعا بالطُّرَف. فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق. فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها. فأعادت عليها وألحت، فصاحت ليلى: واذُلاّه! يا لتغلب! فسمعها عمرو بن كلثوم فثار الدم في وجهه، ونظر إلى عمرو بن هند فعرف الشر في وجهه، فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيفٍ لعمرو بن هند معلقٍ بالرواق ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأس عمرو بن هند، ونادى في بني تغلب، فانتهبوا ما في الرواق وساقوا نجائبه، وساروا نحو الجزيرة. ففي ذلك يقول عمرو بن كلثوم: ألا هُبِّي بصَحْنِك فاصْبِحينا".

وفى "الروض الأنف" نطالع أخبار غزوة الحديبية فنرى ما كان لأم سَلَمة زوجة رسول الله عليه الصلاة والسلام من موقف عبقرى فات شرفُ اتخاذه الرجال فى ذلك اليوم. ولم يمنع كتّابَ السيرة كونُها امرأة من الإشادة بهذا الموقف العظيم الذى كان له فعل السحر فى نفوس الصحابة بعدما كانوا متصلبين لا يريدون أن ينزلوا على شروط المعاهدة التى تمت بين الرسول عليه السلام ومشركى قريش، إذ رأوا فى تلك الشروط إجحافا وظلما، فمكثوا حزانى مغتاظين لا يريدون أن يتحركوا من موضعهم فيحلقوا رؤوسهم كما طلب منهم رسول الله. يقول السهيلى: "وفي غير رواية ابن إسحق من الصحيح أنه عليه السلام دخل على أم سلمة، وشكا إليها ما لقي من الناس حين أمرهم أن يحلقوا وينحروا فلم يفعلوا لما بهم من الغيظ، فقالت: يا رسول الله اخرج إليهم، فلا تكلمهم حتى تحلق وتنحر. فإنهم إذا رأوك قد فعلت ذلك لم يخالفوك. ففعل صلى الله عليه وسلم، وفعل الناس".

ومن "أخبار النساء" لابن الجوزى نقتطف الحكاية التالية، وفيها يورد ابن الجوزى، رغم ذكوريته، ما يدل على رباطة جأش المرأة وحضور بديهتها وقدرتها على إفحام الرجل، وأى رجل؟ إنه الخليفة ذاته لا أقل. وأى خليفة؟ إنه معاوية بن أبى سفيان داهية العرب: "وفدتْ عَزّة وبثينة على عبد الملك بن مروان فلمّا دخلتا عليه انحرف إلى عزّة، وقال لها: أنت عَزّةُ كُثَيِّر؟ قالت: لستُ لكثيرٍ بعزّة، ولكنّي أمّ بكرٍ الضّمريّة. قال أتروين قول كثيرٍ فيك:

لقد زعمت أني تغيّرت بعدها * ومن ذا الذي يا عَزّ لا يتغيّرُ؟

تغيّر جسمي والخليقة كالتي * عهدتَ، ولم يخبر بسرّك مخبرُ؟

قالت: لست أروي هذا، ولكنّي أروي غيره حيث يقول:

كأنّي أنادي صخرةً حين أعرضتْ * من الصّمّ لو يمشي بها العُصْم زَلّتِ

صفوحًا فما تلقاك إلاّ بخيلةً * فمن ملّ منها ذلك الوصفَ مَلّتِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير