تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثمّ عطف على بثينة فقال لها: ما رَأَى جميل حين لهج بذكرك بين النّساء كلّهن؟ قالت: الذي رأى فيك النّاس حين جعلوك خليفة من بين رجال العالمين. فضحك حتّى بدت سنٌّ له سوداء كان يخفيها، وأجزل جائزتهما وقضى حوائجهما".

ثم هذه الحكاية التالية: "دخلت ليلى بنتُ عبد الله الأَخْيَلِيّة على الحَجّاج، وعنده وجوه النّاس وأشرافهم، فاستأذنتْه في الإنشاد، فأذن لها، فأنشدته قصيدةً مدحته بها. فلمّا فرغتْ من إنشاده قال الحجّاج لجلسائه: أتدرون مَنْ هذه الجارية؟ قالوا: لا نعلم، أصلح الله الأمير. ولكنّا لم نر امرأةً أكمل منها كمالاً، ولا أجمل منها جمالاً، ولا أطلق لسانًا، ولا أبين بيانًا، فمن هي؟ قال: هذه هي ليلى الأخيلية صاحبة تَوْبَة بن الحُمَيِّر، الذي يقول فيها:

نَأَتْكَ بليلى دارُها لا تزورها * وشَطّ نواها واستمرّ مَرِيرُها

ثمّ قال لها: يا ليلى، ما الذي رابه من سفورك حيث يقول:

وكنتُ إذا ما زرتُ ليلى تبرقعتْ * فقد رابني منها الغداةَ سُفُورُها

قالت: أصلح الله الأمير. لم يرني قط إلا متبرقعةً. وكان أرسل إليّ رسولاً أنّه يُلِمّ بنا، ففطن الحيّ لرسوله، فأعدّوا له وكمنوا. وفطنت لذلك، فلم يلبث أن جاء، فألقيتُ برقعي وسَفَرْتُ له. فلمّا رأى ذلك أنكره وعرف الشّرّ، فلم يزد أن سلّم عليّ وسأل عن حالي وانصرف راجعًا. فقال الحجّاج لها: لله دَرُّكِ! فهل كانت بينكما رِيبة؟ قالت: لا والذي أسأله أن يصلحك. إلى أن قال مرةً قولاً ظننت أنّه خضع لبعض الأمر، فقلت له مسرعةً هذا الشعر. وأنشأت وهي تقول:

وذي حاجةٍ قلنا له: لا تبح بها * فليس إليها ما حَيِيتَ سبيلُ

لنا صاحبٌ لا ينبغي أن نخونه * وأنتَ لأخرى صاحبٌ وخليلُ

فلا والذي أسأله صلاحك ما كلّمني بشيءٍ بعدها استربتُه حتّى فرّق الدّهر بيني وبينه".

ثم هذه الحكاية أيضا، وهى ترينا كيف أن المرأة، وكانت مجرد جارية، لم تكن عند صاحبها مجرد واحدة من النساء يغنى عنها غيرها، والسلام، بل هى امرأة بعينها لا يغنى غناءها امرأة أخرى، وتظل تحير قلبه بعدما باعها وتلذّعه تلذيعا حتى ليستعين على ذلك بابتهاله إلى الله وكتابة اسمها على راحة يده ورفعه نحو السماء فى كل صلاة لعل الله يستجيب له فيعيدها إليه كرة أخرى، وهو ماكان. ولنقرأ: "قال محمّد بن عبيد الزّاهد: كانت عندي جاريةٌ فبعتُها، فتبعتْها نفسي، فسِرْتُ إلى مولاها مع جماعة إخوانه، فسألوه أن يُقِيلني ويَرْبَح عليّ ما شاء، فأبى. فانصرفت من عنده مهمومًا مغمومًا، فبتّ ساهرًا لا أدري ما أصنع. فلمّا رأيت ما بي من الجهد كتبت اسمها في راحتي واستقبلت القبلة. فكلّما طرقني طارق من ذكرها رفعت يدي إلى السّماء وقلت: يا سيّدي، هذه قصّتي. حتّى إذا كان في السَّحَر من اليوم الثّاني إذ أنا برجلٍ يدقّ الباب، فقلت: من هذا؟ قال: أنا مولى الجّارية. ففتحت، وإذا بها، فقال: خذها بارك الله لك فيها! فقلت: خذ مالك والرّبح. فقال: ما كنت لآخذ دينارًا ولا درهمًا. قلت: فلم ذلك؟ قال: أتاني الليلةَ في منامي آتٍ فقال: رُدّ الجّارية على ابن عبيد الله، ولك الجنّة". أولو كانت مكانة النساء عند الرجال بذلك الهوان وتلك الحقارة التى يؤكدها الزميل العزيز أكانت الأمور تجرى فى القصة على هذا النحو الذى يُبْكِى العيون ويزلزل القلوب؟

وفى "أخبار النساء" كذلك: "قيل لميّة بعد موت قابوس (ومَيَّة هى محبوبة ذى الرُّمَّة الشاعر الأموى الشهير، التى تزوجت غيره فظل مشغولا بها سائر حياته إلى أن مات وهو مفتون بحبها لا يستطيع أن يسلاها): ما كان ضَرَّكِ لو أمتعتِه بوجهك قبل موته؟ قالت: منعني من ذلك خوف العار، وشماتة الجار. ولقد كان بقلبي منه أكثر ممّا كان بقلبه، غير أنّي وجدت ستره أبقَى لما في الصّدر من المودّة، وأحمدَ للعافية".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير