تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وخذ يا زميلى العزيز هذه أيضا كى تدرك أن ما كتبتَه عن وضع المرأة العربية فى بحثك هو كلام لا رأس له ولا ذيل: فـ"مِنْ ذلك ما حكى جميلٌ بن معمر العذري: أنّه دخل على عبد الملك بن مروان، فقال له: يا جميل، حدِّثْني ببعض أحاديث بني عُذْرَة، فإنّه بلغني أنّهم أصحاب أدبٍ وغزلٍ. قال: نعم يا أمير المؤمنين أُعْلِمك أنّ آل بثينة انتجعوا عن حيّهم فوجدوا النُّجْعَة بموضعٍ نازحٍ فظعنوا، فخرجت أريدهم. فبينما أنا أسير إذ غلطتُ الطّريقَ وأجنّني الليل، فلاحت لي نارٌ، فقصدتها حتّى وردتُ على راعٍ في أصل جبل قد انحنى عنه إلى كهفٍ فيه، فسلّمتُ، فردّ عليّ السّلام وقال: أظنّك قد غلطتَ الطّريق؟ فقلت: أجل. فقال: انزل وبِتِ الليلة. فإذا أصبحتَ وقفتَ على القصد. فنزلتُ، فرحَّب بي وأكرمني وذبح شاة وأجّج ناره، وجعل يشوي ويلقي بين يديَّ ويحدّثني في خلال ذلك. ثمّ قام بإزارٍ كان معه فقطع به جانب الخباء ومهّد لي محلاًّ خاليًا، فنمت. فلمّا كان في الليل سمعته يبكي إلى شخصٍ كان معه، فأَرِقْتُ له ليلتي. فلمّا أصبحتُ طلبتُ الإذن فأبى، وقال: الضّيافة ثلاث. فجلست وسألته عن اسمه ونسبه وحاله، فانتسب، فإذا هو من بني عذرة من أشرافهم. فقلت: وما الذي جاء بك إلى هنا؟ فأخبرني أنّه كان يَهْوَى ابنة عمٍّ له وأنّه خطبها من أبيها فأبى أن يزوّجها إيّاها لقلّة ذات يده، وأنّه تزوّجها رجلٌ من بني كلاب وخرج بها عن الحي وأسكنها في موضعه، وأنّه رضي أن يكون لزوجها راعيًا حتّى تأتيه ابنة عمّه فيراها. وأقبل يشكو قديم عشقه لها وصبابته بها حتّى أتى المساء وحان وقت مجيئها. فجعل يتقلقل ويقوم ويقعد، ثمّ وثب قائمًا على قدميه وأنشأ يقول:

ما بال ميّةَ لا تأتي كعادتها؟ * أعاجها طربٌ أم صدّها شُغُلُ؟

لكنّ قلبيَ عنكم ليس يشغله * حتّى الممات وما لي غيركم أملُ

لو تعلمين الذي بي من فراقكمو * لما اعتذرتِ ولا طابت لك العِلَلُ

نفسي فداؤك، قد أحللتِ بي سَقَمًا * تكاد من حَرّه الأعضاءُ تنفصلُ

لو أنّ ما بيَ من سقمٍ على جبلٍ * لزال وانهدّ من أركانه الجبلُ

ثمّ قال لي: اجلس يا أخا بني عذرة حتّى أكشف خبر ابنة عمّي. ثمّ مضى فغاب عن بصري، فلم ألبث أن أقبل وعلى يديه محمول، وقد علا شهيقه ونحيبه، فقال: يا أخي، هذه ابنة عمّي أرادت زيارتي فاعترضها الأسد فأكلها. ثمّ وضعها بين يديّ وقال: على رِسْلك حتّى أعود إليك. فغاب عن نظري فأبطأ حتّى أيست من رجوعه. فلم ألبث أن أقبل، ورأس الأسد على يديه، فوضعه ثمّ قال: يا أخي، إنّك ستراني ميّتًا. فاعمد إليّ وإلى ابنة عمّي فأَدْرِجْنا في كفنٍ واحدٍ، وادفنّا في قبرٍٍ واحدٍ، واكتب على قبرنا هذين البيتين:

كنّا على ظهرها، والعيش في مهلٍ * والشّمل يجمعنا والدّار والوطنُ

ففرّق الدّهر بالتّصريف ألفتنا * فصار يجمعنا في بطنها الكفنُ

ورُدّ الغنم إلى صاحبها وأَعْلِمْه بقصّتها. ثمّ عمد إلى خناقٍ وطرحه في عنقه، فناشدته الله: لا تفعل. فأبى وخنق نفسه حتى مات. فلمّا أصبحتُ كفّنتهما ودفنتهما وكتبت الشّعر كما أمر، ورددت الغنم إلى صاحبها وأعلمته بقصتهما، فحزن حزنًا خفت عليه الهلاك أسفًا على ما فرّط من عدم اجتماعهما".

ثم خذ هذه كذلك من نفس الكتاب، وهى تدل على ما كان العرب يَرَوْنَه من أن المرأة قد تكون أذكى من الرجل وأبرع وأدهى. ولو كنتَ أنتَ يا زميلى العزيز بطل القصة لقلتُ لك: تعيش وتأخذ غيرها: "كانت لرجلٍ في الأهواز ضيعةٌ بالبصرة، وكان يتعاهدها في حين الانتفاع بالثّمار، فتزوّج بها امرأةً. وانتهى الخبر إلى امرأته الأهوازيّة، فاستخرقت كتابا على لسان بعض إخوانه بالبصرة يعزيه في البصريّة ويقول: الْحَقِ المالَ الذي خلّفْتَ ولا تتأخّر. وأعطت الكتاب لبعض الملاحين وجعلت له جُعْلا. فلمّا وصل الكتاب إلى زوجها وَجِد لموتها وَجْدًا عظيمًا، وقال للأهوازيّة: أصلحي لي سفرتي، فإنّي راكبٌ إلى البصرة. ففعلت. فلمّا أصبح الغد ركب فرسه، وأعطته السّفرة، ثمّ قبضت على عِنَان فرسه وقالت له: ما تُكْثِر اختلافك إلى البصرة إلاّ ولك بها امرأةً تزوّجتها! فقال لها: "والله مالي بالبصرة امرأةٌ"، للذي وقف عليه من الكتاب. فقالت له: لست أدري ما تقول. وإنّما تحلف وتقول: أيّ امرأةٍ لي غيرك طالقٌ ثلاثًا بقول جميع المسلمين. فللذي وقف عليه الرّجل من موت

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير