تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تَواقَفَ مَعشوقانِ ثُمَّ تَناظَرا * فَما مَلَكا فَيْضَ الدُموعِ البَوادِرِ

* * *

أَمَتّيني، فَهَل لَكِ أَن تَرُدّي * حَياتي مِن مَقالِكِ بِالغُرورِ؟

فَقَد أَحيا بِقَولِكِ لي جَوابًا: * نَعَم أَو لا، فَمُنّي بِاليَسيرِ

أَرى حُبّيكِ يَنْمي كُلَّ يَومٍ * وَجَورُكِ في الهَوى عَدلٌ، فَجوري

وَإِن أَرضاكِ هَجري فَاهْجُريني * فَما أَرضاكِ يُنْمِي لي سُروري

واقرأ، يا زميلى العزيز، هذه أيضا لبهاء الدين زهير، وفيها يبتهل إلى حبيبته علها ترضى، ويناديها بـ"يا مولاى"، ويجعل من حبه لها جهادا، ومن فوزه منها بنظرةٍ فتحا مبينا:

أُحَدِّثُهُ إِذا غَفَلَ الرَقيبُ * وَأَسأَلُهُ الجَوابَ فَلا يُجيبُ

وَأَطمَعُ حينَ أَعطِفُهُ عَساهُ * يَلينُ لأَنَّهُ غُصنٌ رَطيبُ

أَذوبُ إِذا سَمِعتُ لَهُ حَديثًا * تَكادُ حَلاوَةٌ فيهِ تَذوبُ

وَيَخفِقُ حينَ يُبصِرُهُ فُؤادي * وَلا عَجَبٌ إِذا رَقَصَ الطَّرُوبُ

لَقَد أَضحى مِنَ الدُنيا نَصيبي * وَما لِيَ مِنهُ في الدُنيا نَصيبُ

فَيا مَولايَ، قُل لي: أَيّ ذَنبٍ * جَنَيتُ؟ لَعَلَّني مِنهُ أَتوبُ

أَراكَ عَلَيَّ أَقسى الناسِ قَلْبًا * وَلي حالٌ تَرِقُّ لَهُ القُلوبُ

حَبيبٌ أَنتَ، قُل لي، أَم عَدُوٌّ؟ * فَفِعلُكَ لَيسَ يَفعَلُهُ حَبيبُ

حَبيبي فيكَ أَعدائي ضُروبٌ * حَسودٌ عاذِلٌ واشٍ رَقيبُ

وَها أَنذا وَحَقِّكَ في جِهادٍ * عَسَى مِن وَصْلِكَ الفَتحُ القَريبُ

سَأُظهِرُ في هَواكَ إِلَيكَ سِرّي * وَما أَدري أَأُخطِئُ أَم أُصيبُ

أَرى هَذا الجَمالَ دَليلَ خَيرٍ * يُبَشِّرُني بِأَنّي لا أَخيبُ

وما العباس بن الأحنف وبهاء الدين زهير إلا مثالان اثنان من مئات الأمثلة من المحبين المدلهين فى هوى محبوباتهم، بل آلافها. وكلهم مستعدون لبذل أرواحهم فداء للمحبوبة فى سبيل نظرة أو كلمة، بَلْهَ رسالة. وكنت منذ مدة غير بعيدة أراجع قصة قيس وليلى فى كتاب "الأغانى" والآلام الجهنمية التى قاساها قيس جراء حرمانه من حبيبة فؤاده وهيمانه فى البوادى يعيش مع الوحش وقد فقد عقله أو كاد، ومحاولات أبيه أن يعيد لابنه رشده، وهو يتأبى ويبتهل إلى الله أن يزيده عذابا فوق العذاب الذى يقاسيه رفضا منه أن ينسى ليلى رغم كل شىء، فكدت والله أبكى شفقة عليه. وما سبب ذلك كله؟ إنها المرأة، التى يقول الزميل العزيز إنها كانت عند العرب مجرد نعل لا تزيد عن ذلك، أو وعاء لإفراغ الشهوة ليس إلا. واقرأ، أيها القارئ، حكاية ابن زيدون مع ولادة، والنونية العبقرية التى يندر أن يكون لها فى الأدب، عربية وعجميه، مثيل، والتى ألهمه إياها ما تجرعه من الصد والهجر على يد الحبيبة القاسية التى وضعها الشاعر فوق مستوى البشر. ثم يزعم الزميل العزيز، سامحه الله، أن العرب كانوا يحتقرون المرأة ولا يرونها شيئا له قيمة على الإطلاق.

هذا، وقد مر بنا قول زميلنا إن المرأة العربية لم تكن فى نظر الرجال بقادرة على الجدال والرد. فها نحن الآن أمام امرأة عربية، وهى مجرد مثال لكثيرات سواها، تخاصم معاوية وتَخْصِمه وتُفْحِمه هو ومن معه فى المجلس رغم أنها كانت وحيدة. وحتى لو قلنا إن الخبر مصنوع، فإن دلالته تبقى شاهدة بأن الرجال لم يكونوا يَرَوْن النساء عاجزات عن مجاوبة الرجال فى المجالس الغاصّة وإفحامهم. ففى "بلاغات النساء" لابن طيفور: "قال أبو موسى عيسى بن مهران: حدثني محمد بن عبيد الله الخزاعي يذكره عن الشعبي، ورواه العباس بن بكار عن محمد بن عبيد الله، قال: استأذنتْ سودة بنت عمارة بن الأسكّ الهمدانية على معاوية بن أبي سفيان فأذن لها. فلما دخلت عليه قالت: هيه يا بنت الأسكّ! ألستِ القائلة يوم صفين:

شمِّرْ كفعل أبيك يا ابن عمارةٍ * يوم الطعان وملتقى الأقرانِ

وانصر عليًّا والحسين ورهطه * واقصد لهندٍ وابنِها بهوانِ

إن الإمام أخو النبي محمد * عَلَم الهدى ومنارة الإيمانِ

فَقِهِ الحتوفَ وسِرْ أمام لوائه * واقدم بأبيضَ صارمٍ وسنانِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير