تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قالت: أي والله ما مِثْلي من رغب عن الحق أو اعتذر بالكذب. قال لها: فما حملك على ذلك؟ قالت: حُبّ علي عليه السلام واتباع الحق. قال: فوالله ما أرى عليك من أثر علي شيئا. قالت: أَنْشُدك الله يا أمير المؤمنين وإعادة ما مضى وتذكار ما قد نُسِيَ. قال: هيهات. ما مِثْلُ مقام أخيكِ يُنْسَى، وما لقيتُ من أحد ما لقيتُ من قومك وأخيك. قالت: صدق قولك. لم يكن أخي ذميم المقام ولا خفيّ المكان. كان والله كقول الخنساء:

وإنّ صخرًا لتأتمّ الهداة به * كأنه عَلَمٌ في رأسه نارُ

قال: صدقتِ. لقد كان كذلك. فقالت: مات الرأس، وبتر الذنب، وبالله أسأل أمير المؤمنين إعفائي مما استعفيتُ منه. قال: قد فعلتُ، فما حاجتك؟ قالت: إنك أصبحت للناس سيدا، ولأمرهم متقلدا. واللهُ سائلك عن أمرنا وما افترض عليك من حقنا. ولا يزال يقدم علينا من ينوء بعزك ويبطش بسلطانك، فيحصدنا حصد السنبل، ويدوسنا دوس البقر، ويسومنا الخسيسة، ويسلبنا الجليلة. هذا بُسْر بن أرطاة قدم علينا من قِبَلك، فقتل رجالي وأخذ مالي. يقول لي: فوهى بما أستعصم الله منه وألجأ إليه فيه. ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة. فإما عزلتَه عنا فشكرناك، وإما لا فعرَفْناك. فقال معاوية: أتهددينني بقومك؟ لقد هممتُ أن أحملكِ على قتب أشرس فأردك إليه يُنْفِذ فيك حكمه. فأطرقت تبكي، ثم أنشأت تقول:

صلى الإله على جسم تضمَّنه * قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحقَّ لا يبغي به بدلا * فصار بالحق والإيمان مقرونا

قال لها: ومن ذلك؟ قالت: علي بن أبي طالب عليه السلام. قال: وما صنع بك حتى صار عندك كذلك؟ قالت: قَدِمْتُ عليه في رجل ولاه صَدَقتنا قَدِم علينا من قِبَله، فكان بيني وبينه ما بين الغث والسمين، فأتيت عليًّا عليه السلام لأشكو إليه ما صنع بنا، فوجدته قائما يصلي. فلما نظر إليّ انفتل من صلاته، ثم قال لي برأفة وتعطف: ألك حاجة؟ فأخبرته الخبر، فبكى ثم قال: اللهم إنك أنت الشاهد عليّ وعليهم أني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك. ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجواب فكتب فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم. قد جاءتكم بيّنة من ربكم، فأوفوا الكيل والميزان بالقسط، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تَعْثَوْا في الأرض مفسدين. بقية الله خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين. وما أنا عليكم بحفيظ. إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك، والسلام". فأخذتُه منه، والله ما ختمه بطِينٍ ولا خَزَمه بِخِزَام، فقرأته. فقال لها معاوية: لقد لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان، فبطيئًا ما تفطمون. ثم قال: اكتبوا لها بِرَدّ مالها والعدل عليها. قالت: إليّ خاصٌّ أم لقومي عامٌّ؟ قال: ما أنت وقومك؟ قالت: هي والله إذن الفحشاء واللوم. إن لم يكن عدل شامل، وإلاّ فأنا كسائر قومي. قال: اكتبوا لها ولقومها".

ولا ينبغى أن ننسى شهرزاد، التى احتفى بها الرجال مؤلفو "ألف ليلة وليلة" وجعلوها تنتصر على واحد من أبناء جنسهم. ولم يكن هذا الذى انتصرت عليه شهرزاد رجلا عاديا، بل ملكا من الملوك. وخلاصة الأمر أن كتاب "الف ليلة وليلة" إنما يقوم على أنه كان هناك ملك يدخل كل ليلة بفتاة عذراء جميلة يقضى معها ليلته، ثم يقتلها فى الصباح انتقاما فى جنس النساء كله من زوجته الخائنة. وكان لذلك الملك وزير له ابنة جميلة عاقلة قرأت الكتب وسير الملوك وأخبار الأمم، وجمعت ألف كتاب من كتب التواريخ والشعر فيما يُرْوَى عنها، فقالت لأبيها: زَوِّجْنى من هذا الملك الذى يقتل فتاة كل يوم: فإما استطعت إنقاذ بنات جنسى ووضع حد لتلك الوحشية المفرطة، وإما قتلنى الملك مع من قتلهن قبلى. ولما دخل بها شرعت تقص عليه حكاية مسلية غاية التسلية والتشويق. وحين بلغت الحكاية ذروة تشويقها مع مطلع الفجر توقفت شهرزاد، ووعدته أن تكملها له الليلة القادمة. ولما كانت الليلة القادمة صنعت ما صنعته فى أول ليلة ... وهكذا دواليك، إلى أن حبلت من الملك وأنجبت. وهنا كان قد وقع فى حبها فلم تسمح نفسه بقتلها، فضلا عن رغبته فى الإبقاء على أم ابنه. وبهذه الطريقة نجحت شهرزاد فى الانتصار على المك شهريار، التى تحولت شخصيته بفضل تلك الحكايات من شخصية شريرة إلى شخصية خيرة. أفلو كان الثقافة العربية تحقر من شأن المرأة أكانت تتركها تنتصر على الرجل؟ وأى رجل؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير