تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إنه الملك ذاته! وفى أى ميدان؟ فى ميدان الحكمة والخير وحسن التدبير!

وكان الزميل العزيز قد أورد عن عمر بن الخطاب كلمة فى تحقير شأن المرأة وتشبيهها بالنعل قلتُ فيها: إن كان عمر قالها حقا إنها لرأيه هو لا يلزم أحدا سواه. لكنى فى الواقع لست مطمئنا إلى أنه قالها. أما إذا كان قد قالها رغم هذا، وهو ما أستبعده تمام الاستبعاد، فلا أحسبها فى أحسن الأحوال إلا كلمة طائرة لا تعبر عن رأيه الحقيقى فى هذا الموضوع. ذلك أن شخصية عمر ووقائع حياته لا يتفق معها هذا الرأى، فقد كان واسع الأفق نافذ النظر عميق الفهم للدين رحيما بالإنسان على شدةٍ ظاهريةٍ كانت فيه تخفى وراءها عطفا ومسامحة. ولقد جمعتُ بعض ما قاله فى النساء فوجدته لا يستقيم مع تلك العبارة الغريبة: فمثلا فى تقسيمه لأنواع النساء نجده يقول: "النساء ثلاث: هينة لينة عفيفة مسلمة تعين أهلها على العيش ولا تعين العيش عليهم. وأخرى وعاء للولد. وأخرى غُلٌّ قَمِلٌ يضعه الله فى عنق من يشاء، ويفكّه عمن يشاء" (على الطنطاوى وناجى الطنطاوى/ أخبار عمر وأخبار عبد الله بن عمر/ ط8/ المكتب الإسلامى/ بيروت/ 1403هـ- 1983م/ 270). فانظر كيف يجعل النساء ثلاثة أنواع لا نوعا واحدا كما فى الكلمة الآنفة، فضلا عن أنه لم يقل إن أمر المرأة الشكسة هو فى يد زوجها: يبقيها أو يخلعها كما يحب، وفى الوقت الذى يحب، بل جعله فى مشيئة الله: إن شاء خلَّصه من شرها، وإن شاء تركه يَصْلَى نارها. وهذا وذاك مما يناقض ما تقوله الكلمة المذكورة.

وسمع، رضى الله عنه، امرأة فى الطواف تقول:

فمنهن من تُسْقَى بماءٍ مبرَّدٍ * نُقَاخٍ، فَتِلْكُمْ عند ذلك قَرَّتِ

ومنهن من تُسْقَى بأخضرَ آجِنٍ * أُجَاجٍ، ولولا خشية الله فَرَّتِ

ففهم شكواها فبعث إلى زوجها فوجده متغير الفم، فخيره بين خمسمائة من الدراهم وطلاقها، فاختار الدراهم وطلقها (المرجع السابق/ 271). أفلو كان رَأْىُ عمر حقا هو أن المرأة نعل فى قدم الرجل يلبسها وقتما يشاء، ويلقيها عن قدمه وقتما يشاء، أكان يهتم لما قالته تلك المرأة عن زوجها؟ بل أكان يحضر زوجها ويخيره ذلك التخيير الذى إنما يدل على إيمانه بحق المرأة فى أن تسعد بحياتها الزوجية وتنال حقها كاملا حتى فى أدق التفاصيل؟ وعلى الناحية الأخرى هناك الرواية التى أوردها الجاحظ فى "البيان والتبيين" من أن رجلا أراد تطليق زوجته لأنه لم يعد يحبها، فكان جواب عمر عليه: أَوَكُلّ البيوت تُبْنَى على الحب؟ فأين الرعاية والتذمم؟ يذكّره بحق العِشْرة التى كانت بينهما، وبحق المرأة فى إكرام زوجها لها ورعايته إياها. أفهذا رَدُّ مَنْ يرى أن المرأة ليست سوى نعل فى قدم زوجها يفعل بها ما يريد دون تعقيب أو تثريب؟

كذلك جاء رجل ذات مرة إلى عمر يشكو إليه خُلُق زوجته، فوقف بالباب ينتظره حتى يخرج، فسمع من الداخل صوت امرأته تستطيل عليه بلسانها، وهو ساكت لا يرد عليها، فانصرف الرجل قائلا لنفسه: إذا كان هذا هو حال الخليفة، فكيف حالى أنا؟ فعندئذ خرج عمر فرآه منصرفا، فناداه: ما حاجتك؟ قال: يا أمير المؤمنين، جئت أشكو إليك خلق زوجتى واستطالتها علىّ، فسمعت زوجتك كذلك، فرجعت وقلت: إذا كان هذا حال أمير المؤمنين فكيف حالى؟ فقال له عمر: تحملتُها لحقوق لها علىّ (على الطنطاوى/ أخبار عمر وأخبار عبد الله بن عمر/ 298). أفهذا كلام رجل يرى المرأة نعلا؟

وتدلَّى رجل بحبل ليشتار عسلا فقعدت امرأته على الحبل وهددته بأنه إذا لم يطلقها فسوف تقطع الحبل، فطلقها. ثم رفع الأمر إلى عمر فأبانها منه، أى أمضى الطلاق الذى حصلت عليه من زوجها بالإكراه (السابق/ 198). فما معنى ذلك؟ معناه أنه أمضى رغبة المرأة رغم أن الطلاق وقع إكراها ولم يكن بإرادة الزوج. إلا أنه رضى الله عنه لم يشأ أن يجبر الزوجة على البقاء مع رجل لا تحبه. ومرة أخرى نسأل: أهذا صنيع رجل لا يرى فى المرأة إلا أنها نعل يلبسه الزوج متى أراد، ويخلعه متى أراد؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير