تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومثلها الحكاية التالية: خرج، رضى الله عنه، ذات ليلة يعسّ بالمدينة وهو خليفة، إذ سمع من داخل بيت صوت امرأة تقول شعرا تشتكى فيه غياب زوجها عنها فى ميدان الجهاد وتعبر عن شدة شوقها إليه وتقول إنه لولا مخافتها من الله لفرّطت فى عرضها. فما كان من عمر إلا أن أحضر ابنته حفصة وسألها عن المدة التى يمكن أن تصبرها المرأة على غياب زوجها، فقالت: شهرا واثنين وثلاثة، وفى الرابع يَنْفَد الصبر. فجعل رضى الله عنه ذلك أَجَل غياب الجند المسلم فى ميادين الجهاد عن زوجاتهم (السابق/ 252 - 354). أفلو كان عمر يرى حقا أن المرأة ما هى إلا حذاء فى قدم زوجها أكان يضع مشاعر تلك المرأة ورغبتها الجسدية فى اعتباره فيحضر ابنته ويستشيرها فى ذلك الأمر، ثم يُتْبِع الشورى بالعمل ويصدر أمرا بألا يغيب الجنود المبعوثون للجهاد عن زوجاتهم أطول من أربعة أشهر؟

وفى "شرح نهج البلاغة" لابن أبى الحديد (تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم/ دار احياء الكتب العربية/ 12/ 67 - 68): "جاء رجل إلى عمر فقال: إن بنتا لى واريتُها في الجاهلية، فاستخرجناها قبل أن تموت، فأدركتْ معنا الاسلام فأسلمت. ثم قارفتْ حدا من حدود الله، فأخذتِ الشفرةَ لتذبح نفسها، فأدركناها وقد قطعتْ بعض أوداجها، فداويناها حتى برئت وتابت توبة حسنة. وقد خطبها قوم، أفأخبرهم بالذى كان من شأنها؟ فقال عمر: أتعمد إلى ما ستره الله فتبديه؟ والله لئن أخبرتَ بشأنها أحدا لأجعلنك نكالا لأهل الامصار! أَنْكِحْها نكاح العفيفة السليمة". ولا أحسب هذه الحكاية التى كادت أن تدمى قلبى تحتاج من جانبى إلى أى تعقيب، فمغزاها فيما أريد منها واضح تمام الوضوح. لكن اللاهثين خلف مقولات الحداثة اللعينة التى لا تستريح ولا يهدأ لها بال إلا إذا أَرَّثَتْ نار العداوة والبغضاء بين الرجال والنساء يتجاهلون هذا كله، ويعضون بالنواجذ على عبارة طائرة لا راحت ولا جاءت جاعلين من حبتها قبة، إن كانت حبّةً أصلا.

ولقد سبق أن أشرت إلى أن الإسلام، حين أعطى المرأة حقوقها وكرمها وعطف عليها ورفع شأنها ودعا الرجل إلى الرقة معها واللطف بها، لم يكن خاضعا لحزب نسائى، بل فعل كل هذا ابتداءً من تلقاء نفسه. وفى العصر الحديث حين قامت حركة ترقية وضع المرأة كان القائمون بها كلهم من الرجال، مثل رفاعة رافع الطهطاوى وأحمد فارس الشدياق وبطرس البستانى وقاسم أمين ومعروف الرصافى ومحمد مهدى الجواهرى والطاهر الحداد ومحمد سعيد الزاهري، علاوة على أن السلطات الحكومية فى البلاد العربية بوجه عام كانت مع المرأة وتعليمها وإسناد الوظائف العامة إليها ومساواتها بالرجل فيما تتقاضاه من أجر ... إلخ. أفليس لهذا كله دلالته؟

وأخيرا فإن نظرة سريعة إلى اللغة الإنجليزية، وهى مجرد مثال على اللغات الأوربية، كفيلة بأن ترينا أن ما أخذه الزميل العزيز على البلاغة العربية موجود فى تلك اللغة أيضا. ولو أنه تريث فيما كتب لكان له رأى آخر. ونكتفى من لغة جون بُلْ ببعض الأشياء فنقول مثلا إن كلمة " woman" تعنى، فيما تعنيه: "الخادمة والخليلة والمحظية والمومس". ومن ناحية أخرى تستخدم الإنجليزية للمرأة كلمات مثل: " bitch, chick, bird, babe, skirt, doll, distaff, rib, weaker vessel ومعناها على الترتيب: "كلبة، كتكوت، طائر، طفل رضيع، فستان، دمية، عصا المغزل، ضلع، الوعاء الضعيف". ومن استخدامات اللغة الإنجليزية أيضا استعمالها كلمة " fury" للمرأة الحقود، ومعناها الأصلى: "الضراوة والغضب الشديد والعنف البالغ"، فتأمَّلْ. كذلك كثيرا ما يشيرون إلى الزوجة فى لغة جُون بُلْ بقولهم: " the little woman, ball and chain, old lady, old woman, rib". ومن التعبيرات التى تتعلق بالمرأة قولهم: " Woman's work, Hell knows no fury like a woman scorned". ويستخدم المتحدثون بالإنجليزية أيضا كلمتى " to ride" و" to mount" ( ومعناهما الأصلى: "يَرْكَب، يمتطى") للدلالة على إتيان الرجل للمرأة كما فى لغة الضاد بالضبط. كما أن كلمة " pussy"، التى كثيرا ما يستعملونها فى الإنجليزية للفَرْج، تعنى أيضا عندهم "قطة، جملا، أرنبًا بَرِّيًّا". بل إنها تطلق كذلك على نوع النساء كله بالمعنى الجنسى، وعلى المرأة بوصفها طرفا فى الجماع، ثم على الجماع ذاته. وفى الإنجليزية نراهم يستعملون كلمة " bull" ( الثور،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير