فلم يذكر القرآن [الكريم] قصة أبي عامر الراهب الذي كان قد تنصر في الجاهلية، وقرأ علم أهل الكتاب، ثم بارز بعداوة الرسول [صلى الله عليه وسلم] والمسلمين، وأقام مسجدا للتفريق بين المسلمين، ولا يمكن فهم مغزى الآية والمشار إليهم في الآية {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا ... } إلا بالاستعانة بالحديث النبوي، والترجمة الحرفية غير قادرة على إعطاء صورة كاملة للقصة حتى يفهم القارئ سبب الردع وخطورة الوضع.
ولنقتصر على هذه الأمثلة الثلاثة، ونرى جوانب أخرى يتعرض لها المترجمون الذين أرادوا إيفاء المدلول الكامل لكل كلمة من كلمات القرآن الكريم، وقد وجدوا صعوبة في اختيار الكلمات المترادفة في لغاتهم التي ترجموا إليها. وقد وجد عجز المترجمين في اللغات الهندية والفارسية عن بحث كلمات تستوفي جميع المعاني التي توحي كلمة قرآنية أو تعبير عربي يخص القرآن الكريم، كما توجد نفس الصعوبة عند المترجمين للقرآن الكريم في اللغات الأوروبية، ونختار الانجليزية منها لإيضاح هذه النواحي، ويمكن أن نستعرض هذه المشكلات على النحو التالي:
1 – عجزت اللغة الانجليزية عن ترجمة حرفية لكثير من الأفعال العربية مثل بخل، صدق، استوى، أسرف، أبطل، منّ، طغى، أمات. فكل هذه الكلمات تترجم عادة بجملة مركبة من اسمين أو بفعل واسم، وعلى هذا تترجم:
يبخل is neggardly
صدق is thuthful
يستوي is equal
يسرف is extravagent
يبطل maketh vain or maketh void
منّ conferred a benefit
يطغى is exorbitant
يميت causes death
ومن المعلوم أن الفعل المضارع يخص العربية وحدها، وفي الانجليزية مثلا الفعل إما هو للحال أو للمستقبل، ولا يوجد نوع من الفعل يفيد معنى الحال والاستقبال معا، كما أن وجود التثنية بين المفرد والجمع يخص العربية وحدها، فالمترجم مضطر إلى إيضاح صيغ التثنية بإضافة كلمة أخرى فيقول the twain said مقابل كلمة واحدة " قالا" ولا شك أن الترجمة إن كانت بلفظ أو لفظين لا تؤثر في المعنى إذا استطاعت إفادة المعنى بكامله، ولكننا نرى أن الفعل إذا ترجم بالاسم، أو الاسم ترجم بفعل فهذا يجرح وجه الكلام ويبعد القارئ من روح النص، ومثال ذلك إذا ترجمنا فعل " يبخل " بكلمة معناها فيه بخل، أو فعل " قتل" بكلمة معناها أصبح سببا لموته، أو " جعله ميتا" لم تسعف القارئ بمدلول كلمة القرآن [الكريم] إلا أنه استطاع من خلال الترجمة فهم المعنى التقريبي.
وهناك طائفة من الكلمات القرآنية لا توجد لها مرادفات في لغات أخرى فتترجم عادة بكلمة واحدة متقاربة المعنى، مثل:
الخوف، الخشية، إشفاق، الرهب، تقوى، لكل هذه الكلمات تجدون في الانجليزية كلمة واحدة fear وحيث تنبه المترجمون، وهم لا شك يعرفون معنى اللفظ وظلاله، ترجموا هذه الكلمات بألفاظ ليست لها صلة لغوية بلفظ النص، وعلى سبيل المثال نأخذ كلمة "التقوى" في آية: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (البقرة: 197)
So make provision for your selves - hereafter-; for the best provision is to ward off evil
فقد ترجمها محمد مارديوك بكهتال
أي معنى التقوى هو: to ward off evil الابتعاد عن الشر.
ويقول جورج سيل في ترجمة هذه الآية:
make provision for your journey; but the best provision is piety
أي معنى التقوى هو: piety
وترجم محمد علي اللاهوري:
And make provision for yourselves , the best provision beeing to keep one’s duty
أي معنى التقوى: beeing to keep one’s duty
وترجمة المفسر الهندي الشيخ عبد الماجد دريابادي هذه الآية:
And take provision for the journey; for verily the best provision is abstainent
أي معنى التقوى: abstainent
وترجم كل من ادبري، عبد الله يوسف علي رادديل كلمة التقوى the fear of god وإن كانت الكلمة fear أو the fear of god أو god fearing أقرب شيء إلى مفهوم التقوى من تعابير أخرى، ولكن بكتهال نظر إلى مدلول المادة (وقى قي) فترجم to ward off مع العلم أن الاسم المأخوذ من الفعل أصبح ذا دلالة مستقلة مفهومة عند العرب بجميع ملامحه.
¥