ولنقرأ مثلا هذه الآية: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [(الإسراء: 20)]
We shall bestow our blessing on all of the people ; nobody shall be denied
ولننظر كيف يرتاح القلب وتهتز المشاعر وتطمئن النفس عند تلاوة هذه الآية، وإلى هذا النغم السماوي الساحر، ثم ننظر إلى الترجمة التفسيرية:
2 – تفسير القرآن [الكريم] حسب ما تسميه الترجمة التفسيرية يترك المجال للمترجم أن يترجم نظرياته الخاصة باسم القرآن [الكريم]، ويجعل القرآن [الكريم] مطية لبيان أفكاره ونظرياته الخاصة به. وتكفي الإشارة إلى تفاسير الصوفية والشيعة والقاديانية وتصرفاتهم في الترجمات والتفاسير، ومثال ذلك أن الصوفي التركي الشيخ إسماعيل الحقي البرساوي يفسر الآية: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(البقرة: 158)]، بقوله إن الصفا هو لطيفة الروح، والمروة هو لطيفة القلب، وهما أكبر شعائر الدين في عالم الأرواح، فمن قصد رب البيت أو انقطع إلى ذكره فلا حرج عليه أن يقوم ويقعد في حلقات الذكر.
3 – إن المستشرقين الذين نظروا إلى القرآن [الكريم] كمجموعة من الأحاديث والقصص وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم ((ترجم E.W.LANE بعض السور من القرآن [الكريم] إلى الانجليزية عام 1843م وأسماها TABLE TALKS OF MOHMMED ))، أخذو بتأويل كل آية تعطي فكرة عن رسالة الإسلام على أنها موجهة إلى الإنسانية جمعاء، ومثال ذلك أن جورج سيل المترجم المعروف يترجم خطاب القرآن [الكريم] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} ويزعم أن محمدا (صلى الله عليه وسلم) كان يريد إصلاح بني جلدته وتقدمهم اقتصاديا وسياسيا، ولم يقصد إلى مخاطبة البشر كله، ونسي جورج سيل أو تناسى أن القرآن [الكريم] يفسر بعضه بعضا، وإنه وجه رسالته إلى العالم كله ففي آية: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28)
وعلى الرغم أن سورة البقرة مدنية النزول بلا خلاف كما أكد ذلك ابن كثير في تفسيره، وسورة سبأ مكية، وجورج سيل يزعم أنه لم يطمح في توجيه رسالته خارج قبيلته.
4 – نظرا إلى أن المفسرين القدامى مثل الرازي والبغوي والبيضاوي اعتادوا أن يذكروا في تفاسيرهم جميع ما وصل إليهم من أقوال عامة وشاذة، ويذكرونها بقولهم التقليدي " قيل" وهذا " القيل" يصبح سندا قويا لمن أراد تخريف معاني القرآن [الكريم]، وهو يستند إليه في تفسيره، ويشير إلى تلك المراجع كأمر معترف به، ومثال ذلك أن البيضاوي ذكر من بين الأقوال العديدة في تفسير كلمة "العالمين" إنه قيل معناه عالم الإنس وعالم الجن وعالم الملائكة، فتشبث به كل من جورج سيل وسير ريتشارد برطن Sir Rechard Burton وترجم أول آية من القرآن الكريم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} على النحو التالي:
Praise be to Allah who three worlds made
وعدله جورج سيل على النحو التالي:
Praise be to God; the Lord of all creatures
ولا شك أن القصد من وراء هذه الترجمة المنحرفة هو إعطاء فكرة خاطئة أن رسالة الإسلام كانت محلية ومؤقتة، و" أنّى لابن أن يتصور ويحلم أن هناك عالما غير ما يعيشه وتعيش دوابه" ( E.W Lane في كتابه المختارات القرآنية طبع ليدن عام 1843م) وهذا غير مستغرب من الذين لم يملكوا إخفاء ما في صدورهم من حقد وكراهية ضد الإسلام، ولكننا نرى أن كل من أراد أن يفسر القرآن [الكريم] حسب مرئياته يجد سندا من الأقوال الشاذة في كتب التفسير والأحاديث الضعيفة والموضوعة.
هكذا نجد أن القواميس والمعاجم توفر مادة وسندا لبيان الآراء الشاذة والمعاني المستبعدة، ومثال ذلك كلمة " الإبل" في الآية: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [(الغاشية:17)]، فقد ترجمها ظفر الله خان " بالسحاب" وأغرَّبُ من هذا أن الأستاذ محمد أسد الذي يعرف العربية أكثر من معاصريه ممن ترجموا القرآن [الكريم] مال إلى هذه الترجمة، مستندا إلى لسان العرب والمعاجم الأخرى، وبعد مراجعة
¥