نجد أن الترجمة الفارسية نقلته بلفظه فتقول: " يس ما بركوش آنهاتا جند سالي برده بيهوشي زديم" أي فضربنا على آذانهم ستار الغفلة عدة سنوات، وهذا غير مفهوم للمنقول إليه، إذ لا يفهم المقصود من الآية، فالتصوير الذي نراه في الآية يتمثل في الضرب على الآذان، لا تستطيع الترجمة الحرفية أن تؤديه أو تفي به إلا بعد أن تفسد الصورة، وتشوه ملامحها.
ومثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} (الفرقان: 73).
فالمعنى الحرفي لقوله لم يخروا عليها صما وعميانا: سقطوا سامعين مبصرين لما أمروا به ونهوا عنه. ولكننا نجد الترجمة الفارسية عولت على ترجمة المعنى كي تؤدي المعنى فتقول: " وآنان هستندكه هركاه متذكر آيات خداى خود شوند كروكورانه درآن آيات ننكرند تابر مقام معرفت وايمانشان بيفزايد "
نجد أن المترجم فسر المعنى وأضاف ألفاظا من عنده لكي يتضح المعنى، وهذه تعتبر ترجمة للمعنى وليس للفظ.
وهكذا لا يتكشف وجه الإعجاز الذي يقوم على الألفاظ ملاءمة بعضها بعضا.
-بين اللغتين العربية والفارسية:
أما بالنسبة للغتين العربية والفارسية فإن بينهما صلات قديمة جدا ترجع إلى وقت دخول الإسلام إيران بعد أن أقبل كثير من الفرس على اعتناق الإسلام أحرارا مختارين، في غير ما إجبار أو اضطرار، لأن المظالم التي اصطلوا بنارها قبل الإسلام حببت إليهم أن يقبلوا على اعتناقه فكفل لهم العرب حريتهم الدينية، وعاملوا أتباع الزردشتية معاملة أهل الكتاب [؟]، فقبلوا منهم أن يبقوا على دينهم ويدفعوا الجزية.
وقد تسابق كثير من أهل فارس إلى تعلم اللغة العربية لغة الدين الذين آمن به كثير منهم، ولغة الفاتحين الذين يتصلون بهم، وسرعان ما أجادها بعضهم، وكانوا قدوة لمن بعدهم، حتى صار كثير من مشهوري الشعراء والكتاب والعلماء باللغة والدين من أبناء فارس، وكان من أثر القرآن [الكريم] على اللغة الفارسية أن فقدت هذه اللغة شخصيتها القديمة، وظهرت الفارسية الجديدة، وقد تشكل نصف معجمها، كما تشكلت أساليبها وأوزانها من العربية حتى صارت لسان أخر غير اللغة السابقة على الإسلام وهي اللغة البهلوية، وكذلك الأمر في اللغة التركية، ولغة الأكراد وسائر لغات آسيا وأفريقيا، فقد فقدت كل لغة من هذه اللغات أكثر خصائصها الجاهلية، ودخلت في عربية القرآن [الكريم]، بحيث لو أن أحدا أراد مثلا أن يكتب شيئا بالفارسية بحيث تكون كتابته خلوا من الألفاظ العربية لتعسر عليه الأمر.
ولسنا هنا بصدد الحديث عن الصلات القوية بين اللغتين العربية والفارسية، بل المقصود هو أن نبين أن هاتين اللغتين برغم تداخلهما القوي، وتأثير كل منهما في الأخرى، فإن اللغة العربية تتميز عن الفارسية وغيرها من اللغات في بنائها التعبيري، ومن أبرز ما تتميز به اللغة العربية في تعبيرها عن اللغة الفارسية:
أولا: إن الجملة في اللغة الفارسية تختلف في تركيبها عن الجملة في الجملة في اللغة العربية، فعلى الرغم من أن الجملة تنقسم إلى قسمين: اسمية وفعلية كما في العربية، فإن الجملة الاسمية في اللغة الفارسية تزيد في تكوينها عن العربية جزءا ثالثا وهو الرابطة التي تربط الجزئين الرئيسيين وهما المبتدأ والخبر، وتختلف هذه الرابطة باختلاف المبتدا أو المسند إليه، وكذلك الحال بالنسبة للجملة الفعلية فهي تختلف مع العربية في ترتيب أجزائها، ففي اللغة العربية تبتدئ الجملة الفعلية بالفعل، في حين تنتهي الجملة الفعلية في الفارسية بالفعل، وهذا الاختلاف يجعل في الترجمة تغييرا في المعنى، فلكل كلمة استخدامها في وضعها بالجملة إن كانت الكلمة مقدمة أو مؤخرة فلكل كلمة مقامها الذي يتطلب استعمالها.
وعلى هذا النمط العربي نجد البيان القرآني في بنائه التعبيري، يقدم الفعل إذا كان الحديث عن الفعل هو المهم أو المقصود بالحديث، وذلك نحو قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} (المؤمنون: 12)، إذ المقصود الحديث عن خلق الإنسان وما ينطوي عليه من إعجاز وليس المقصود الحديث عن الخالق.
¥