تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعلى هذا المسار التركيبي سار البناء في الآيات بعد ذلك فقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ () ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون: 13 - 14)

في حين نرى الترجمة الفارسية، وكما قلنا تنتهي بالفعل الذي هو المقصود من الحديث وهو الذي في الأصل في بداية الجملة، فنرى الترجمة تقول: " وهمانا آدمي را از كل خالص آفريديم (12) يس آنكاه اورا نطفه كردانيده ودرجاي استوار (صلب رحم) قرار داديم (13) آنكاه نطفه را علقه وعلقه راه كوشت ياره وياز آن كوشت را استخوان وسيس براستخوانها كوشت يوشانيديم يس از آن خلقتي ديكر انشا نموديم آفرين بر قدرت كامل بهترين آفريننده (14).

نجد الأفعال آفريديم، قرار داديم، يوشانيديم قد وضعت في نهاية الجمل.

ثانيا: إن الصيغ التي تدل على الفاعل في اللغة الفارسية إما أن تبنى على فاعل معلوم أو فاعل مجهول، وهي المعروفة بصيغة المبني للمعلوم والمبني للمجهول، أما في اللغة العربية فلا تقتصر في الحديث عن الفاعل في هاتين الصيغتين، ولكنها تضيف صيغة ثالثة تلك هي صيغة الفاعل المطاوع، فقولنا ((انسكب الماء)) يختلف في دلالته عن قولنا ((سكب الطفل الماء)) وعن قولنا ((سكب الماء)) وذلك لأن التعبير الأول يقدم معنى لا تدل عليه دلالته الدقيقة صيغة من الصيغتين الأخيرتين، فقولنا ((سكب الطفل الماء)) يقال لمن يهمه أن يعرف من الذي سكب الماء، وقولنا ((سكب الماء)) يقال كذلك لمن يقصد التعرف على الفاعل، لكنا نخبر عن ذلك الطريق إما بجهلنا بمن وقع منه الفعل، أو بعدم إرادتنا ذكره، أما حين نقول ((انسكب الماء)) فإننا نوجه الحديث لمن يتوقع انسكاب الماء وينتظره، ولا يهمه أن يعرف ساكبه ولا عدم معرفته، ولا شك أن الفارق كبير بين هذا وذاك.

وهذا الفارق الكبير يعين اللغة على الدقة في استيفاء وجوه الدلالة، حتى يتمكن بها من ملاحظة مقتضى الحال.

حقيقة توجد في اللغة الفارسية بضعة أفعال تسمى الأفعال ذوات الوجهين أي الأفعال التي تكون لازمة أو متعدية حسب سياق الجملة، دون أن يتغير تركيبها، مثل فعل شكستن، وريختن، ويختن، وسوختن، وكشودن، افروختن، وهذه الأفعال قريبة في استخدامها من صيغة الفعل المطاوع في العربية، ولكنها قليلة من ناحية، ولا تؤدي الغرض من الفعل المطاوع من ناحية أخرى، وسنرى ذلك في بيان الترجمة الفارسية لمعاني القرآن الكريم في النموذج التالي.

وهذه هي إحدى مميزات اللغة العربية في بنائها عن غيرها من اللغات، إذ نحن تأملنا آيات القرآن الكريم من هذا المنطلق وجدناه قد جمع بين هذه الصيغ الثلاثة في بنائه التعبيري، ولأن الذي يعنينا – هنا – هو أن نقف على استيعاب البيان القرآني لكل ما يميز اللغة العربية عن غيرها من اللغات في البناء التركيبي، لا أرى ما يدعونا لأن نطيل بذكر نماذج قرآنية لصيغة المبني للمعلوم والمبني للمجهول، فهذا واضح لا يحتاج برهانا، إنما الذي يحتاج برهان هو الصيغة الثالثة (صيغة الفعل المطاوع) وهذه الصيغة في القرآن [الكريم] لا تقصد لذاتها، وإنما شأنها شأن كل الصيغ تأتي حين يتطلبها الموقف ملبية المطلوب، محققة المقصود، من ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ} (البقرة: 74)

ونرى الترجمة الفارسية تقول: " جه آنكه ياره از سنكها ست كه نهرهاي آب از آن ميجوشد ويرخي ديكر سنكها بشكافد وهم آب از آن بيرون آيد" فتجد الترجمة قد أتت بالفعلين في المبني للمعلوم، و: ان الحجارة هي الفاعل، في حين أن الفعلين (يتفجر ويتشقق) مضارعان، ماضيهما تفجر وتشقق، وهما مطاوعان لفجر وشقق فالحجارة لا يتأتى منها الفعل، ولكنها خاضعة تستجيب للقوة العليا حين تفجرها وتشققها بتجميع أسباب التفجير والتشقيق عليها، فالآية الكريمة بذلك: تلفت نظر المتأمل إلى ما وراء تلك الظواهر الطبيعية من قدرة الله ومشيئته دون أن يتصادم الظاهر مع الواقع الحق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير