ومن ذلك أيضا قوله سبحانه وتعالى: { ... فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} (البقرة: 266)، نجد أن الترجمة الفارسية تقول: " ... ودرباغ أو بادي آتش بار افتد همه را بسوزاند" فجعلت الفعل متعديا، أي المعنى يكون: فأصابها إعصار فيه نار فأحرقتها، وهذا لا يحقق المقصود بيانه من إتيان النار عليها، لأن الإحراق يفيد حرق الكل كما يفيد إحراق الجزء، فلما جاءت الآية على هذا أفادت أن الإحراق من النار وليس ذاتيا، وأن إحراق النار إياها شامل وليس إحراقا جزئيا.
ومنها أيضا قوله [سبحانه وتعالى]: { ... فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} (البقرة: 60)، انفجر مطاوع فجر.
وترى الترجمة تقول: " يس دوازده جشمه آب از آن سنك بيرون آمد" فالفعل هنا مبني للمعلوم وكأن عيون الماء هي الفاعل، بالإضافة إلى ركاكة المعنى إذ أن ترجمة الفعل (خرجت) بدلا من (انفجرت).
والآيات المشتملة على صيغة المطاوعة كثيرة، ونجها مختلفة في الترجمة، فتارة يترجمها المترجم على أنها أفعال مبنية للمعلوم كما رأينا، أو يتصرف في ترجمة تفسيرية لها تكون قريبة من المعنى.
ثالثا: إن اللغة العربية تحرص على أن تستوفي أدوات الصفة وكافة شروطها، وذلك لأن الصفات لا بد فيها من المطابقة، بخلاف الأسماء، فليس ضروريا فيها أن تطابق مسمياتها، إذ الأسماء قد تكون توقيفية لا إرادة للمتكلم في وضعها وإطلاقها على مسمياتها، وقد نطلق اسما على مسمى لأدنى ملابسة، دون أن تكون هناك مطابقة بين الاسم ومسماه، وذلك لأن نسمي الشيء باسم أرضه، أو باسم صاحبه، أو باسم حادث عندما تعرفنا عليه، أو باسم كاشفه، إلى غير ذلك من الملابسات، وقد تكون الأسماء منقولة عن لغة أخرى بحروفها أو مع تعديل فيها.
أما الصفات فلا بد أن تطابق موصوفاتها، ومن ثم حرصت اللغات على أن تكون هناك مطابقة بين الصفة والموصوف، لكنها لم تتمكن من استيفاء جميع أدوات الصفة وشروطها كما تمكنت منها اللغة العربية.
فالصفة في اللغة العربية تابعة للموصوف مطابقة له في الإفراد والتثنية والجمع، وفي التذكير والتأنيث، وفي التعريف والتنكير، وفي مواقع الإعراب، وبتعبير أخر: الصفة العربية تطابق الموصوف في العدد وفي الجنس، وفي التحدد وفي الشيوع، وفي الشكل العارض للفظ، أما في اللغات الأخرى فقد تجد فيها بعض تلك المتابعات، لكنك لن تجدها جميعا بقواعدها المطردة إلا في اللغة العربية.
وفي الفارسية نجد عكس ذلك تماما فلا تطابق يذكر بين الصفة والموصوف لا في الإفراد والجمع، ولا في التذكير والتأنيث، ولا في التعريف والتنكير.
وهذا فرق جوهري بين اللغتين يظهر واضحا في ترجمة كل آيات القرآن الكريم، بحيث يصبح من العبث إيراد نماذج لبيان ذلك الاختلاف.
ومن ثم يتقرر أن البناء التعبيري في البيان القرآني لا يخرج على البيان التعبيري للغة العربية في قليل ولا كثير، وإنما هو يسير وفق منهج العربية تماما في بنائها.
وبالتالي فإن روح اللغة العربية بمعانيها وأخيلتها هي التي تسري في البيان القرآني في أرقى مدارجها وإمكاناتها، بحيث تتحقق بالقرآن [الكريم] المعجزة البيانية من خلال اللغة العربية التي اصطفاها الله سبحانه لينزل القرآن الكريم بها دون غيرها.
-إمكان ترجمة القرآن [الكريم]:
كان القرآن الكريم وهو (كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) محلا لاختلاف الترجمات عليه في كثير من اللغات الأوروبية وأيضا اللغات الشرقية.
ولعلماء المسلمين رأي في ترجمة القرآن [الكريم] إلى غير العربية، فالإجماع منعقد على عدم جواز ترجمة القرآن [الكريم]، أما الجائز فهو ترجمة معاني القرآن [الكريم] أو ترجمة تفسيره، وقبل ان نعرض ما دار بين المسلمين من خلاف حول ترجمة القرآن [الكريم]، أود أن أشير إلى أقسام الترجمة، إذ تنقسم الترجمة إلى قسمين: ترجمة حرفية وترجمة تفسيرية.
فالترجمة الحرفية هي التي يراعى فيها محاكاة الأصل في نظمه وترتيبه، فهي تشبه وضع المرادف مكان مرادفه، وبعض الناس يسمي هذه الترجمة لفظية، وبعضهم يسميها مساوية ويطلق عليها الإيرانيون "ترجمة تحت اللفظي" أي "ترجمة حرفية".
¥