وحسبنا كما ذكرت ذلك في كتابي " التوراة والإنجيل والقرآن والعلم الحديث" أن نعطي لكلمة " علق" معناها الأول " شيء يعلق" لكي يظهر التطابق واضحا مع المعطيات العلمية، بينما المعاني المشتقة مثل " جلطة دم، الدم المتخثر، الجلطة اللاصقة ... الخ " إنما هي تعابير تفيد المعاني المشتقة.
ومن الترجمات الانجليزية للقرآن [الكريم] التي أرجع إليها واستفيد منها في نواح أخرى ما يتضمن نفس الأخطاء.
وثمة مجموعة ثانية من الآيات لا يفهم معناها في الترجمات والتفاسير وإني مورد لكم مثالا يجسد مدى ضرورة امتلاك المرء للمعارف العلمية قبل أن يقدم على أي ترجمة صحيحة لها، وهي مأخوذة من سورة النحل الآية 66، قال الله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِين}.
وإليكم بعض الترجمات التي ترجمت بها الآية في فرنسا: ((ستجدون عبرة ودرسا في قطعانكم، فنحن نسقيكم مما يحتل مكانا وسطا في أحشائها بين العصارة الغذائية والدم، لبنا صافيا لذيذا طعمه)).
أعتقد أني على دراية بحكم مهنتي بتشريح ما في البطن وتركيبه الفيزيولوجي، فأنا لا أميز بحال من الأحوال ما يمكن أن يكون وسطا بين العصارة الغذائية والدم، فهذه الترجمة لغو من الكلام.
ودونكم ترجمة أخرى لا يمكن أيضا حيث اللبن يتأتى ((مما هو في البطون بين أغذية مهضومة والدم)).
يقول أحد مترجمي شمال أفريقيا بصدد لبن النعام في كتابه وبخصوص هذه الآية: ((نحن نفجر لكم من أحشاء هذه الأنعام ومن خلال (كذا) العصارة الغذائية من جهة، والدم من جهة ثانية، لبنا تشربونه الخ ... )).
فليس لهذه الترجمة أي معنى من الناحية التشريحية والفزيولوجية.
ولكي نترجم هذه الآية ترجمة صحيحة، كان علينا أن لا نعتبر كلمة " من بين" تعني " من بين أشياء أخرى" أو " بين " فحسب، بل إن العبارة قد تعني أننا نقابل بين شيئين أو شخصين، وحينئذ تبدو الترجمة المقبولة للآية المذكورة على النحو التالي: ((نسقيكم مما في داخل أجسامها ويتأتى من الاتصال بين ما تحتويه الأمعاء من الفرث والدم لبنا صافيا سائغا للشاربين)).
وهي ترجمة قريبة جدا لما قدمه "المنتخب" الصادر في القاهرة سنة 1973م.
وهذه الآية إذا ما ترجمت كما ينبغي، تفصح في جملة واحدة عن ظاهرة الامتصاص الهضمي في مستوى الأمعاء، وهو ما أكتشفه علم الفزيولوجيا أو وظائف الأعضاء الحديث.
لقد كان لي شرف تقديم هذا المقطع من القرآن [الكريم] سنة 1976م إلى أكاديمية الطب الوطنية في باريس [فرنسا] مشفوعا ببيانات من الكتاب تتعلق بالإنسان.
إن الترجمة الصحيحة لهذه الآية لتجعل كل عالم في وظائف الأعضاء صادق النية ونزيه، يعلن بأنه لا يمكن أن يكون ثمة تفسير بشري لوجود مثل هذا القول الثابت في نص جاء إلى الناس قبل ما يزيد عن أربعة عشر قرنا، فالترجمة الصحيحة وحدها تقترح هنا إذن الطابع الإلهي للقرآن [الكريم]، وبأنه وحي من الله، فأي تفسير أخر يمكن أن نتصوره أمام مثل هذه الأقوال الثابتة التي تتفق مع الاكتشافات الحديثة؟
وفي الكتاب أمثلة أخرى درستها، ولا سيما ما يتعلق منها في القرآن [الكريم] بظواهر التناسل، غير أني أنصحكم في هذا المجال بالرجوع إلى الكتاب الذي نشرته سنة 1976م.
ونحن واجدون في مجموعة ثالثة من الآيات أن المعنى كان مستوفى على نحو مفهوم، ولكنه غير صحيح، ولذلك نجد أن الترجمة لا تبرز المعنى الحقيقي الذي لم يمكن تمييزه إلا في العصر الحديث، وقد أخفت هذا المعنى تأويلات تقليدية، إن صح التعبير، ترجع إلى عدة قرون، أو كان السبب في خفائها أخطاء لسانية (لغوية) سأبينها لكم فيما يلي:
¥