تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن كلمة "يسبحون" وردت مرتين في القرآن [الكريم] في سورتي الأنبياء الآية 33، وفي يس الآية 40، وبالنسبة لسورة يس جاءت هذه الكلمة في الآية: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} والمقصود هو حركات الشمس والقمر في الفضاء، ولم أجد فيما أملكه من الترجمات الفرنسية العديدة لكلمة " سبح " إلا معنى اندفع فوق الماء، أو عام أو أبحر أو تحرك، وما من شيء يتحدث عن المعنى الأصلي للكلمة الذي يقتضي حركة خاصة بالجسم مقرونة بتنقله، فمعناها السباحة حين يتم الانتقال في الماء، ومعناها الانتقال بحركة الرجلين أو الأرجل عندما يتم هذا الانتقال في البر، فالمعنى الأصلي للانتقال بحركة خاصة يترجم حركة الفلك على ذاته، ذلك الفلك الذي ينتقل وهو يسير في مدار في الوقت ذاته، فحركة الفلك على ذاته – الشمس والقمر- يعلمنا إياها العلم الحديث، وعلى ذلك فلا بد من ترجمة الكلمة بالرجوع إلى معناها الأصلي، على أن هناك قاعدة عامة لم تتخلف في وقت من الأوقات أثناء دراستي للقرآن [الكريم]، وهو أنه كلما استعملنا المعنى الأصلي، أي أقدم المعاني في هذه الآيات، أعاننا ذلك على اكتشاف التطابق مع المعرفة العلمية الحديثة.

ومن الأمثلة الأخرى على ذلك كلمة " سلالة" التي وردت مرتين في القرآن [الكريم] في سورة المؤمنون الآية 23، وفي سورة السجدة الآية 8، وتقول الآية في السورة الأخيرة: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}

فالسلالة يراد بها الجوهر والخلاصة، إي الشيء المستخلص من الشيء الأخر، وأفضل أجزاء شيء من الأشياء، والكلمة تفيد أن شيئا ما يمكن استخراجه من سائل، والسائل هنا موصوف بأنه مهين، ولعل ذلك لأنه صادر من العضو الذي يخرج منه البول- السائل الفضلة- إلا أن السائل المنوي المقصود هنا يحتوي على الحيوانات المنوية التي لا يمكن أن ينصرف ذهننا عنها حينما توحي كلمة " سلالة" خلاصة ما، أو جوهرا ما يستخرج من سائل.

ولقد كانت هذه الفكرة مجهولة زمن نزول القرآن [الكريم]، إلا أن هذه الفكرة لا تترائي للذهن أبدا إذا ما ترجمنا هذه الكلمة – كما هو الأمر في معظم الترجمات – بتعابير مثل (ابتداء من ... ) دون أي توضيح أخر كما لو كانت كلمة " سلالة " لا وجود لها في النص.

وأدهى من ذلك، وأمَّرُ أن نلاحظ معاني مختلفة تعطى حسب المقام لكلمة واحدة، من ذلك على سبيل المثال كلمة " زوج" التي جمعها " أزواج" فقد وردت في ترجمة بالفرنسية نشرت في شمال إفريقيا مرة بمعنى " زوجين " ومرة بمعنى " نوع" وكذلك الأمر بالنسبة إلى ترجمات عديدة جارية بفرنسا، وقد بحثت دون جدوى عن الترجمة الجيدة التي هي عنصر من زوجين بصدد كلمة " زوج" فهذه الكلمة تنعت وحدة أيا كانت، فردا من زوجين سواء أكان الأمر يتعلق بزوجين " رجل وامرأة" أم بزوج قفاز [اليدين] فنحن نستعمل المثنى حين نتحدث عن قرينين لأن الزوجين قوامهما وحدتان اثنتان أو عنصران اثنان.

و القرآن [الكريم] ذاته يقدم لنا المعنى الدقيق في الآيتين 45 و46 من سورة النجم: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى () مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى}.

وحيث أن كلمة "زوج" ومثناها وجمعها قد تحددت هنا بوضوح، فإننا عندما نقرأ الآيات الثلاث الآتية نكتشف تأكيدا في القرآن [الكريم] لوجود حياة جنسية لدى النبات، وهذا من مفاهيم علم النبات التي لم يعرفها الناس إلا بعد اكتشاف المجهر, فنحن نقرأ بالفعل في سورة لقمان الآية 10 حيث المقصود هو الأرض: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} ومن البديهي أن المراد هنا إنما هو النبات.

كما نقرأ في سورة الرعد الآية 3 والكلام هنا يدور على الأرض أيضا: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ}.

وفي سورة يس تمنحنا الآية 36 حديثا أوضح عن عنصري الزوجين في النباتات ولدى الإنسان على السواء: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ}.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير