فهذه الآيات الثلاث التي تسترعي كثيرا انتباه العارفين بتاريخ علم النبات، لا أجد فيما قرأته من الترجمات الفرنسية لها أي إشارة إلى ما للنبات من حياة جنسية، ومع ذلك فإنها من الأمور البديهية جدا، إلا أن الترجمات غير الصحيحة تخفيها.
فما العبرة التي نستخلصها من هذه الملاحظات؟
سأكرر هنا – إذا سمحتم لي – أفكارا ومقترحات سبق لي أن عرضتها أثناء ملتقى السنة الماضية
وهو أنه:
- لا يمكن لأحد أن يدعي القدرة اليوم على تقديم ترجمة أو تفسير صحيحين لعدد من آي القرآن الكريم ما لم يكن ذا ثقافة علمية، لكن الغالبية العظمى من المفسرين والمترجمين المحدثين للقرآن [الكريم] هم من ذوي الثقافة الأدبية، ومن الذين يعوزهم التكوين العلمي، أقول " الغالبية العظمى" لأن هناك استثناءات موفقة.
على أن هناك واقعا ثابتا، وهو أن معظم الترجمات الجارية تتضمن مقاطع فيها بعض الآيات التي تشير إلى معطيات لها صلة بالمعارف الحديثة، ولكنها معروضة على نحو يجد فيها القارئ – بسبب أخطاء في الترجمة – تأكيدات مخالفة لما يثبته العلم الدنيوي بما لا مجال فيه للشك، ومن السهل أن تتصوروا إذن مدى الفرصة التي يستغلها في الغرب أولئك الذين ينشدون من كل جانب حججا تدعم أطروحاتهم المتمثلة في أن القرآن [الكريم] هو من صنع رجل عاش في عصر لم يكن فيه العلم قد نما وتطور، ولذلك أخطا حين تحدث عن بعض وقائع معروفة لدينا اليوم كل المعرفة.
وحاصل القول هو أن أخطاء القرآن [الكريم] هذه في نظرهم تماثل الأخطاء التي ارتكبها على هذا الأساس مؤلفو كتب التوراة والإنجيل، ذلك ما نسمعه ممن نصبوا أنفسهم للقدح والتجريح [والتشكيك].
- لم تكن هذه المسائل في الواقع بذات أهمية في الماضي، ولا حتى في يومنا هذا، لأنه ليس لنا أن ننشد في القرآن [الكريم] صيغا أو مواصفات عليمة، فالقرآن [الكريم] كان ولا يزال كتابا دينيا في غاية الجودة، وإذا كان هذا الكتاب يتضمن كلاما عن ظواهر طبيعية أصبحت اليوم في متناول الفهم البشري بفضل معطيات من المعارف الثابتة صحتها، فذلك بهدف لفت أنظار الناس إلى هذه الظواهر، إنه بصورة ما ضرب من التعبير الإضافي عن القدرة الإلهية.
ماذا يهم إذا كنا في الماضي لا نعطي لبعض الآيات في تفاسير القرآن [الكريم] أو ترجماته إلا المعنى الظاهر ما دام الإنسان كان سيستشعر فيها عظمة الخالق وقدرته؟ إلا أن التقدم العلمي اليوم هو بحيث للمرء بإدراك معطى أخر من المعطيات زيادة على ذلك، وبفهم المعنى الحقيقي للكلمة، وحينئذ فنحن نجد لهذه الآيات دلالتين اثنتين: الدلالة الأصلية أي الطابع الديني للتفكير، إذ أن جميع هذه الآيات تتحدث عن دلائل القدرة الإلهية، والدلالة الثانية هي الإشارة إلى معطى من معطيات العلم، وهذا له أهمية لأنه يقود كل عالم نزيه إلى الاعتراف بالطابع السماوي للبيان القرآني.
- إن الترجمة السيئة لهذه الآيات تؤدي إما إلى جهل القارئ لهذه الوقائع، أو أنها – وهذا أخطر – توحي خطأ بأن القرآن [الكريم] قد يتضمن أقوالا مخالفة للحقائق العلمية الأولية الثابتة، أو أمورا لا تصدق، هذا أن لم تكن لغوا واضحا من الكلام.
وبناءا على ذلك فإن الترجمات التي أنجزها اليوم ذوو الثقافات الأدبية لعدد لا يستهان به من البيانات القرآنية التي لها صلة بالمعارف الثابتة علميا، قد تساهم في إصدار أحكام خاطئة على القرآن [الكريم]، ومثل هذه الوقائع تطرح مسألة القيام بمراجعات الترجمات أو التفاسير التي قام بها ذوو الثقافة الأدبية الذين لا يملكون المعارف الدنيوية اللازمة في يومنا هذا، للقيام بأية ترجمة صحيحة أو تفسير قويم، وذلك بمساعدة المعطيات العلمية اليقينية.
على ذلك يتوقف الطابع الملائم للإعلام المبذول بصدد هذه الوقائع من القرآن [الكريم] أكان ذلك في العالم الإسلامي أم في العالم غير الإسلامي الذي تنتشر فيه مفاهيم وتصورات خاطئة عن الإسلام وكتابه المبين.
حقا إنه ليس من قبيل الإمكان توفير ترجمة وافية للقرآن [الكريم] بالمعنى الدقيق للكلمة، غير أنه بمقدور الإنسان مع ذلك أن يعرض النص القرآني في ترجمة أقرب ما تكون إلى الكمال على من لا يعرف اللغة العربية.
- تلك هي الوقائع التي أرى من المستحسن عرضها عليكم في نطاق النقطة الثانية من البرنامج، لأنها – على ما يبدو لي – مدعاة للقيام بمراجعة التفاسير أو الترجمات القائمة لهذه الآيات، ومثل هذه المراجعة قد تتطلب الرجوع إلى رجال العلم في الموضوعات التي تهمهم والواردة في القرآن [الكريم].
إن القيام بعرض مقاطع من القرآن [الكريم] على هذا النحو قد يستجيب لبعض الإغراءات التي يشعر بها الناس هنا وهناك عندما يكون العلم معنيا بالنسبة إلى ما هو معقول، ومشيّد وموضّح.
إن التدابير من هذا القبيل هي وحدها الكفيلة - على ما يبدو – بتوضيح حقيقة محتوى عدد كبير من آيات القرآن [الكريم] توضيحا كما يليق بعصرنا.
¥