وعلى نظر المتكلمين الأشاعرة القائلين بالكلام النفسي القديم، فليس المراد أن معنى القرآن [الكريم] قديم ولفظه حادث، وليس هذا إلا غلط من ظن أن معنى ومدلولات لفظه هو ذلك الكلام النفسي القديم، وأن صفة الله القائمة بذاته فتوهم للمعنى مزية على اللفظ في النسبة إلى الله تعالى، والحال أن معنى القرآن [الكريم] ولفظه سيان في كون كل منهما أثر صفة الكلام القديمة لا نفس تلك الصفة، وان الفرق الذي يرى في كلامهم ويجعل الكلام اللفظي دون غيره من حيث الحدوث والقدم، فإنما هو بالنسبة إلى الكلام النفسي يراد به صفة الكلام لا بالنسبة إلى المعنى الذي هو مدلول اللفظ" (10)
وقد استمر هذا النقاش فترة من الزمن، ثم أصدرت جماعة كبار العلماء بالأزهر الشريف فتوى في عام 1355هـ/1936م تبين إمكانية الترجمة التفسيرية واستحالة الترجمة اللفظية، بمعنى استحالة نقل المعاني مع خصائص النظم العربي إلى اللغات الأخرى.
ومهما طال النقاش في هذه المسألة فإن الرأي الذي نستطيع أن نقوله والذي استقرت عليه الأمة، هو أن القرآن [الكريم] عربي والإسلام عالمي، ولا يمكن العبادة أو الاحتكام أو الاجتهاد إلا بالنص العربي، والإسلام دين عالمي أرسل إلى الناس كافة، فلا بد من ترجمة القرآن [الكريم] ترجمات توضح معانيه، وتشرح مقاصده للبشر على اختلاف امة القرآن [الكريم] لسنتهم.
أما ترجمة القرآن [الكريم] ترجمة تعادل أصله فهذا أمر مستحيل، يعرفه من له أدنى خبرة بالترجمة، حيث إن ترجمة أي كتاب لا تعادل أصله، فما بالك بكتاب الوحي المعجز بمعناه ومبناه.
تاريخ ترجمة القرآن [الكريم]:
لا نستطيع أن نقول إن تاريخ ترجمة القرآن [الكريم] قد كتب بدقة، وذلك لأن هذا الموضوع لم يدرس بعد دراسة مستفيضة، كل ما هناك هو معلومات متناثرة في كتب تاريخ التفسير وطبقات المفسرين وغيرها، وفي رأينا أن السبب الرئيسي في عدم وجود مثل هذه الدراسة، هو انعدام دراسة ببليوغرافية شاملة لترجمات القرآن [الكريم] وخاصة المخطوط منها.
ويجدر بالذكر هنا العمل الرائد الذي قام وما زال يقوم به الأستاذ الدكتور محمد حميد الله حيث يرجع إليه الفضل في زيادة هذا الموضوع (11)
وفي مجال العمل حول ترجمات القرآن [الكريم] أود أن أشير هنا إلى ما وصل إليه المركز من معلومات حول دراستين أخريين يجري العمل فيهما الآن:
الدراسة الأولى: ما يقوم به الدكتور حسن المعايرجي من جمع متون الترجمات المختلفة، وانتخاب الصحيح منها والعمل على نشره وهو في عمله المخلص هذا يفضل الترجمات المكتوبة بلغات الشعوب الإسلامية التي لا تجد إمكانية طبع ونشر هذه الترجمات. وقد اطلع المركز على نموذجين من هذا العمل الذي يجمع بين الدقة العلمية والإخلاص الديني، وينسق بين كثير من الجهود والإمكانات في تواضع وصمت، ولذلك أحببت أن أنوه به هنا. (12)
والدراسة الثانية هي جزء من العمل الذي يقوم به الأستاذ علي شواخ اسحاق، وحسب الإيضاحات التي تفضل بإرسالها الأستاذ إلى مركز استانبول فإنه يقوم منذ فترة ثماني سنوات بجمع كل المعلومات الممكنة حول مؤلفات القرآن الكريم، سعيا وراء وضع معجم لمؤلفات القرآن الكريم، ومن بين هذه المؤلفات ترجمات القرآن [الكريم] (13).
والجدير بالذكر أن رابطة العالم [الإسلامي] من خلال مكتبها في باريس، تقوم بالتعاون مع الأستاذ حميد الله على جمع متون ترجمات القرآن الكريم في مختلف اللغات.
ومن غير شك ما يزال هناك متسع كبير من للعمل، ولا سيما في المخطوطات لأهميتها في تحديد أوائل الترجمات، وقد قام مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي باستانبول بالتخطيط لمشروع مسح كامل لكل ترجمات القرآن الكريم المخطوطة والمطبوعة على مستوى مكتبات العالم، وبهذه المناسبة أود أن ألفت انتباه السادة العلماء إلى الحاجة لتكثيف الجهود والتنسيق بين مختلف المؤسسات الثقافية في العالم الإسلامي من اجل إنجاح هذا المشروع.
ويمكننا تلخيص المعلومات حول أوائل الترجمات كما يلي:
- هناك ترجمات سريانية قام بها غير المسلمين في عهد الحجاج بن يوسف في النصف الثاني من القرن الهجري الأول (14).
- احتمال وجود ترجمة بربرية مكتوبة سنة 127 هـ (15).
- ترجمة فارسية شفوية قام بها موسى بن سيار الأسواري قبل سنة 255 هـ (16).
¥