تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

24 - وإنه منذ أصبحت هذه العقيدة إرثا وتقليدا وهجرت في ذلك " آيات القرآن [الكريم] التربوية العلمية العقلية" المهذبة للنفوس، والداعية إلى تقوى الله، لم يعد في الإمكان أن يكون مسلمنا اليوم كالمسلمين الأولين الذين قال الله فيهم سبحانه وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [(آل عمران: 110)] خاصة وأن كتب التربية في البرامج الرسمية عندنا هي نسخة عن كتب التربية كما تدرس في جميع برامج الثقافة العالمية المادية من شرقية وغربية، وهي متعارضة مع قواعد التربية الإسلامية من ناحيتين أساسيتين:

أولا: أنها تحدد " المعرفة العلمية " بأنها ما خضع للحس والتجربة، ولما كان القول بوجود الله لا يخضع للحس والتجربة، فإن القول بوجود الله ليس من العلم بشيء.

ثانيا: أنها تجعل من علم التربية علما ماديا قاصرا على تعلم الحياة من أجل الحياة.

25 - ولذلك فإن الإيمان بالله قد أقصي نهائيا من علم التربية وكتبها، وأرجعوا إليها إن شئتم فيما يدرس منها في برامج علم التربية، وقد أصبح من واجب المسلمين الاخصائيين في علم التربة أن يسارعوا اليوم إلى استدراك هذا النقص في الناحيتين، لأن تقدم العلوم اليوم أصبح يرفض هاتين الناحيتين، وعليهم أن يصححوا تعريف " المعرفة العلمية" بما يشمل الاستدلال بالمشاهد المحسوس على الغائب، وبما يرفع من مستوى الإنسان في تربيته وكرامته عن مستوى الحيوان في حياته وغريزته.

28 - هذا، ويلاحظ فيما سبق في مبحث " مقاصد القرآن [الكريم] " أن آيات القرآن [الكريم] في جملتها حول مقاصد القرآن [الكريم] في " المبدإ والمعاد والمعاش" قد بلغت (6342) آية، في حين أن آيات التشريع لم تتجاوز الخمسمائة آية منها، وهي في ذلك دون العشر من مجموع آيات القرآن الكريم، وقد اختص " المبدإ والمعاد " بباقي الآيات وهي (5842) آية، وفي ذلك دليل إلى ما قد أعطاه القرآن [الكريم] من الأهمية لعقيدتي " المبدإ والمعاد " من أجل صلاح الإنسان وسلوكه في " معاشه".

27 - وهكذا فقد ربى المسلمون الأولون علميا وعقليا وفكريا على الإيمان بالله، خلال واحد وعشرين عاما من نزول الوحي، وعلى أن الله هو الذي بدأ الخلق، وأنه هو الذي يعيده بعد الفناء، وأنه سبحانه وتعالى لم يخلقهم عبثا وأنهم إليه راجعون، وإلى غير ذلك من النصوص القرآنية التي يجملها قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} (يونس: 4)، وكذلك قوله: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (المطففين: 1 - 6).

28 - وهكذا فإن من تربى علميا وعقليا وفكريا على هذه العقيدة القرآنية في

" المبدإ والمعاد " وتأكد في ذلك من نصوص القرآن الكريم، ومن واقع الحال: أن الحياة الدنيا بالنسبة للحياة الآخرة ما هي إلا كلمح البصر، وإنها دار مرور لا دار استقرار، {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [(العنكبوت:64)] أي الحياة الحقيقية، وأن مصير الإنسان في الدار الآخرة إنما هو تبع لسلوكه في الفترة القصيرة في الحياة الدنيا، إن خيرا فخير وإن شرا فشر ... نقول أنه من تربى هذه التربية القرآنية في عقيدته في الله علما وعقلا وفكرا، صحت عندئذ صلته بالقرآن [الكريم] على نحو الصلة فيما بين القرآن [الكريم] وبين المسلمين الأولين، وعندئذ أصبح الإنسان سويا، وواحدا من الأمة التي قال فيها سبحانه وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [(آل عمران:110)].

وفي ذلك فليتسابق المتسابقون.

الهوامش:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير