(1) - اعتمدنا هذا التقسيم أخذا من الحديث الشريف الوارد في سورة {قل هو الله أحد ... } وسورة (الفاتحة)، فقد قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: (" قل هو الله أحد" تعدل ثلث القرآن)) وقال في سورة (الفاتحة) أنها: " أم القرآن" أي الجامعة لجميع مقاصد القرآن [الكريم]، وبالتأمل في سورة {قل هو الله أحد ... } نجدها لا تتجاوز ذات الله باعتباره " المبدئ للكون" ثم بالتأمل في الفاتحة نجدها تناولت " المبدأ" في {رب العالمين} ثم تناولت " المعاد" في {مالك يوم الدين} ثم تناولت المعاش في باقي السورة.
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[06 Jun 2010, 12:12 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
المحاضرة الخامسة:
" إعجاز القرآن المجيد وشواهد إلهية مصدره"
الدكتور مصطفى أحمد الزرقاء
أستاذ بالجامعة الأردنية – الأردن
((القرآن العظيم قد تجاوز المعجزات الحسية التي كانت تأتي على يد أنبياء الله تعالى [عليهم السلام] برهانا على صدق رسالتهم إلى الناس، تلك المعجزات الحسية التي كانت تناسب تلك الأزمنة، حيث كان يغلب على الناس الانصياع إلى ما يقع تحت الحس من الشواهد المادية أكثر مما ينصاعون إلى الأدلة العقلية والتفكير، وكانت تلك المعجزات تنقضي رؤيتها عقب وقوعها كمصباح يوقد ثم ينطفئ.
فلما اتسعت آفاق التجارب البشرية، وارتقى التفكير وازداد اعتماد الناس على دلائل العقل واستنتاجه وهي أخص الخصائص الإنسانية، جعل الله سبحانه خاتمة معجزات رسله على يد خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، معجز عقلية تفكيرية بيانية خالدة لا تنقضي دلالتها ولا يتوقف تحدّيها في مواجهة العقل، ألا وهي القرآن [الكريم] الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه: " لَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُه" [سنن الترمذي الحديث رقم: 2831، قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ وَفِي الْحَارِثِ مَقَالٌ]
أن نواحي إعجاز القرآن [الكريم] متعددة متشعبة، فمن إخبار بمغيبات من أحوال الأمم والأنبياء [عليهم السلام] مضت وضاع علمها الصحيح، ثم جاءت الشواهد المكتشفة تؤيد أخبار القرآن [الكريم]، إلى إخبار عن أمور ذكر القرآن [الكريم] أنها سوف تقع في فترات محددة أو غير محددة، ثم وقعت كما ذكر القرآن [الكريم] عنها، إلى شواهد من آيات الكون ونواميسه أشارت إليها آيات من القرآن [الكريم] في وقت كان من المستحيل على أحد من البشر إذ ذاك أن يعرف عنها شيئا من طريق المصادر العلمية، لأن وسائل علمها مرتبطة بمكتشفات جديدة من طبية وفلكية وفيزيائية وغيرها، لم يكن طريق العلم إليها مفتوحا، وغنما فتحته أخيرا مكتشفات أخرى.
وثم نظر الباحثون قديما وحديثا إلى إعجاز القرآن [الكريم] من زوايا مختلفة: أبرزها زاوية البيان، وزاوية المضمون، والباحثون يبدون – في الواقع – متفقين على الإعجاز والتحدي القرآني به يشمل الناحيتين، ولكن بعضهم يرى أن إحدى الناحيتين هي الناحية الرئيسية في الإعجاز والتحدي، والأخرى ثانوية، ويعضهم يرى العكس.
وأخيرا منذ سنوات قام جدل بين كاتبين أديبين باحثين من كتاب العصر في هذا الشأن هما الأستاذ رمضان لاوند، والدكتور عبد الصبور شاهين، تبادلا فيه الأخذ والرد على صفحات عدة وأعداد من مجلة البلاغ في الكويت (الأعداد 77 – 82 ما بين آخر شعبان -11 شوال 1390هـ) حول: هل الإعجاز والتحدي في القرآن العظيم منصرف في الدرجة الأولى إلى المضمون وما فيه من الشواهد التي كشف العلم عنها، أو هو منصرف إلى البلاغة في أسلوب البيان القرآني؟
وقد كان هذا الجدل والحوار فيه بينهما ثريا ممتعا، وأتى كل منهما فيه بشواهد قيمة في تأييد وجهة نظره، مما أضاف جديدا في الكشف عن وجوه إعجاز القرآن [الكريم]، تلك المعجزة الإلهية الخالدة.
¥