تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويلحظ من جهة أخرى في الدلالة على أن الإعجاز بياني في الدرجة الأولى أن الله تعالى قد تحدى في القرآن [الكريم] أن يؤتى بمثله، ثم تحدى بالإتيان بعشر سور من مثله، ثم تحدى بأن يؤتى بسورة واحدة من مثله، وهذا يشمل السور الطويلة، ويشمل كذلك السورة القصيرة التي ليس فيها مضمون علمي أو تشريعي، فلو كان الإعجاز القرآني منصرفا إلى المضمون في الدرجة الأولى، لما شمل التحدي السورة الواحدة، بل كان يَرِدُ مقيدا بالإتيان بمثله كله.

مقارنة بين أسلوب الحديث النبوي وأسلوب القرآن [الكريم]:

الفرق عظيم جدا بين أسلوب الحديث النبوي وأسلوب القرآن [الكريم] في طريقة البيان العربي، فبينهما شقة واسعة لا يشبه احدهما الأخر لدى أهل البصر باللغة وأساليبها وبالمأثور المألوف من بيانها قديمه وحديثه.

وان هذا التفاوت الكبير في الأسلوبين إذا انعم الإنسان فيه النظر، وكان ذا ملكة بيانية لا يترك لجيه مجالا للشك والريبة في أن الحديث النبوي والقرآن [الكريم] صادران عن مصدرين مختلفين.

فالحديث النبوي كما سنرى في نصوصه التي سنعرض أمثلتها قريبا جاء كله على الأسلوب المعتاد للعرب في التخاطب، تتجلى فيه لغة المحادثة والتفهم والتعليم والخطابة في صورها ومناهجها المألوفة لدى العرب، ويعالج جزئيات القضايا والمسائل ويجيب عنها، ويحاور ويناقش كما يتخاطب سائر الناس بعضهم مع بعض. ولكن يتميز من الكلام العربي المألوف بان فيه لغة منتقاة غير نابية، وان فيه أحكاما في التعبير وجمعا للمعاني المقصودة بأوجز طريق وأقربه دون حشو، مما استحق به التسمية بجوامع الكلم.

فهو كلام عربي من الطراز المعتاد المألوف، ولكنه على درجة عليا من أساليب البلغاء المعهودة.

أما أسلوب القرآن [الكريم] فهو أسلوب مبتكر لا يجد الناظر فيه والسامع شبيها له فيما يعرف من كلام العرب وأساليبهم، يعالج الكليات، ويفرض الأحكام فرضا، ويضرب الأمثال، ويوجه المواعظ في عموم ولا تشبهه العمومات المألوفة، وخطاب فيه من التجريد ما يجعل له طابعا خاصا منقطع النظير.

أ - فلو أخذ قانون تشريعي وقورن بأحكام القرآن [الكريم] الآمرة الناهية لما كان له به شبه في الأسلوب أصلا، ولو أتحد موضوع الأمر والنهي فيهما.

ب - وإذا أخذ كتاب تاريخ وقورن بما في القرآن [الكريم] لما وجد أيضا بينها شبه في الأسلوب ولو أنهما عالجا قصة واحدة.

ت - ولو أخذ كذلك كتاب مواعظ وأخلاق وقورن بما في القرآن [الكريم] من مواعظ لما كلن بينهما أيضا شبه أصلا ولو أتحد الموضوع.

وهكذا لا يمكن أن يجد الباحث كلاما أو كتابا في اللغة العربية يمكن أن يتحد أو يتشابه أسلوبه و أسلوب القرآن [الكريم]، فهو صورة جديدة مبتكرة في البيان العربي جارية

على قواعد العرب وطريقتهم في التركيب، ولكنه يختلف عنها كل الاختلاف فيما نسميه بالأسلوب، بحيث أنك لو خلطت سورة أو جملة آيات بمجموعة أخرى من كلام العرب لاستطعت أن تميزها منها بسهولة.

أما الحديث النبوي فكثيرا ما يشبه أسلوبه أسلوب سائر الأقوال والحكم المأثورة إذا كانت بليغة، ولذلك كثيرا ما توضع الأحاديث كذبا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشتبه به من حيث لفظها ومعناها على السامع، ولا يمكن البحث عن أصالتها وصحتها إلا عن طريق السند.

ومن السلّم به لدى أهل البصر الأدبي أنه من المتعذر على الشخص الواحد أن يكون له أسلوبان في بيانه يختلفان اختلافا كبيرا احدهما عن الأخر، ويجري كل منهما في ذاته على نسق متشابه لا يختلف في درجة بلاغته وطريقته، ويختلف عن أسلوبه الأخر اختلافا كليا، فهذا مما لم يعهد في التاريخ الأدبي المعروف. بل إذا أراد أحد الكتاب أن يخرج عن الأسلوب الذي هو متميز فيه إلى أسلوب أخر فلا بد أن يظهر فيه التكلف، ولا يمكن أن يتقن ذلك الأسلوب الثاني، فما بالك بهذا التفاوت الكلي بين أسلوب القرآن [الكريم] وأسلوب الحديث [الشريف]؟

فمن يتوهم من الأجانب أن القرآن [الكريم] هو مجموعة من تأليف النبي صلى الله عليه وسلم إلى جانب أحاديثه، فإنما منشأ وهمهم هذا عدم إمكانهم أن يتذوقوا الفارق العظيم بين الأسلوبين في العربية لكي يعرفوا إمكان وحدة المصدر فيهما أو عدم إمكانه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير