{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحشر:23 - 24).
{أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ () وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ () قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (يس: 77 - 79).
أما الحديث النبوي فإنك تشعر من وراء أسلوبه بشخصية بشرية، وذاتية يعتريها الضعف والقوة، ولكن قوتها من لون واحد: ففيها الذات العاجزة أمام الصعوبات القاهرة تارة، وفيها قوة الثقة بالحق تارة أخرى، فكثيرا ما تشعر من أسلوب الحديث النبوي بشخصية تعتز بهذا الضعف الذاتي أمام الله، إلى جانب اعتزازها بقوة الأمانة والثقة بالحق. ففيها ضراعة البشر وتواضع الزهاد، إلى جانب حكمة العلماء وقوة المبلغين الأمناء، فانظر وتصور هذه الشخصية غي لون قوتها من خلال قوة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب حينما هددته قريش، فنصحه بترك الدعوة: " وَاَللّهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ مَا فَعَلْتُ حَتّى يُظْهِرَهُ اللّهُ أَوْ أَهْلِكَ دُونَهَ".
وتصورها بشعورها في الضعف الذاتي من خلال الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مناجاة ربه، كقوله بعدما خرج لدعوة ثقيف وعاد بالأذى والخذلان [؟]: " اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي، وَقِلّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك"
أو " اللَّهمَّ إني أسألُكَ رَحمة من عِنْدِكَ تَهدِي بها قَلبي، وتجْمعُ بِها أَمري، وتَلُمَّ بِها شَعثي ... " [(ضعيف): انظر حديث رقم: 1194 في ضعيف الجامع، وقال أيمن صالح شعبان: ((إسناده ضعيف: أخرجه الترمذي (3419))) انظر " جامع الأصول في أحاديث الرسول ج4 ص 213]
ويقول السيد أحمد بن المبارك نقلا عن شيخه عبد الرزاق الدباغ رحمهما الله في (الإبريز) في معرض بيان الفرق بين الحديث النبوي، و [الحديث] القدسي وبين القرآن [الكريم] بعد كلام طويل يحلل فيه الفرق من نواحي روحية، ما نصه: " وكل من له عقل، وأنصت للقرآن [الكريم]، ثم أنصت لغيره، أدرك الفرق لا محالة، والصحابة رضي الله عنهم أعقل الناس، وما تركوا دينهم الذي كانت عليه الآباء إلا بما وضح من كلامه تعالى، ولو لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما يشبه الأحاديث القدسية ما آمن من الناس أحد، ولكن الذي ظلت له الأعناق خاضعة هو القرآن العزيز الذي هو كلام الرب سبحانه وتعالى"
وهذا الكلام إنما يومي إلى ما أوضحناه من تفاوت الأسلوبين تفاوتا كليا، وأن أسلوب القرآن [الكريم] بدع مبتكر لا يشبهه شيء من كلام العرب.
ثم قال الشيخ عبد العزيز أيضا رحمه الله تعالى بعد ذلك: " كل من استمع القرآن [الكريم] وأجرى معانيه على قلبه، علم علما ضروريا أنه كلام الرب سبحانه، فإن العظمة التي فيه، والسطوة التي عليه، ليست إلا عظمة الربوبية وسطوة الالوهية، والعاقل الكيس الذي إذا استمع لكلام السلطان ثم استمع لكلام رعيته، وجد لكلام السلطان نفسا به يعرف، حتى أنا لو فرضناه أعمى وجاء إلى جماعة يتكلمون، والسلطان مغمور فيهم، وهم يتناوبون الكلام، لميز كلام السلطان من غيره بحيث لا تدخله في ذلك ريبة"
وهذا الكلام كأنما يعني به – رحمه الله – ما سميناه اختلاف الشخصية التي تستشف من وراء الكلام.
وبعد، فهذه مقارنة بين أسلوب القرآن [الكريم] والحديث النبوي، إنما نقصد بها الموازنة بين الأسلوبين من الناحية العربية البيانية فقط، وما توحي به من اختلاف الذاتية والشخصية، مما يدل على اختلاف المصدرين دون النظر الى النواحي التي يذكرها العلماء والأدباء الباحثون في وجوه إعجاز القرآن [الكريم] المتعددة.
القرآن العظيم
كتاب من العلم المحيط مداده = به صفحات الكون تتلى وتسمع
فآياته مرآة صدق جلية = يرى ما مضى فيها، وما يتوقع
عظات وأمثال، وهدي وحكمة = وشرع جليل نيّر الحكم مبدع
ألا أنه القرآن، فأعلم ملاذنا = فما دونه خير، ولا عنه منزع
به قارعات كالصواعق قوة = ونور رفيق بالعيون مشعشع
بلاغ كساه الله ثوب بلاغة = ترد بليغ القوم عِيّاً، فيخضع
علاج لبؤس البائسين محقق = وروح لروح اليائسين مشجع
كفاء لحاجات الحياة جميعها = فللفرد تقويم، وللقوم مهيع
شفاء لأدواء النفوس ورحمة = وتكراره أحلى لسمع وأمتع
تراه جديدا كلما جئت سامعا= كأن المعاني من مثانيه تنبع
¥