تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن القرآن الكريم الذي يصل الأرض بالسماء، والذي هو كتاب البشرية جمعاء، في مختلف الأمكنة والأزمنة، في حالها العاجل، ومصيرها الآجل، في حضارتها وبداوتها، في قصورها وخيامها، له مقاصد وأصول عليها تقوم حياة البشرية، إن هي عملت به وكانت بحق بشرية القرآن [الكريم].

والذي يتتبع القرآن [الكريم] بالتلاوة، فضلا عن الدراسة والبحث، يجده قد عني بشيئين هامين هما الإنسان والكون:

أهتم بالإنسان، لأنه خليفة الله في الأرض، ومن أجله حكم على إبليس بالطرد والخزي والهوان، وهو أيضا صاحب رسالة خطيرة هامة، تستنفد عمره المحدود فوق هذا الوجود، فلا يفتأ يجد ويكد ويكدح وهو يقطع رحلة حياته على الأرض حتى يصل إلى نهايتها إلى الله: {يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} (الانشقاق: 6) واهتم بالكون لأنه وثيق الصلة بالإنسان، فيه حياته وفيه مماته، فيه يتلقى العلم والمعرفة بفطرته السليمة عما أودع في هذا الكون من آيات، وفيه يقرر مصيره بعد هذا الوجود، فيكون من الفائزين الرابحين، الذين {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: (11)] أو من {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا () الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: (104)]

والقرآن الكريم مع الإنسان قبل ولادته، يهيئ له تربة شريفة طاهرة ينبت فيها غرس كريم، ينتمي إلى أسرة محصنة بالعفاف، ثم يظل معه في مراحل تكوينه، وعند ولادته وحينما يكون طفلا رضيعا، وشابا يافعا ومقبلا على الزواج، وراعيا للأسرة، وعلى أي وضع أو حال يكون عليه الإنسان فالقرآن الكريم معه، يعتني به أكرم عناية، ويحميه ويحرسه من عوامل

التحليل ويقيه على الجادة، ويربطه بالكون ليأخذ منه الزاد التقدمي [كذا] الذي يحقق به رغبته الدائمة في التطلع إلى الآفاق التي يمكن له تحقيقها في هذا الوجود، ويتعهده دأبا بالتوجيه إلى ما في هذا الكون من دلائل الألوهية حتى لا ينسى ربه فيحيد عن الجادة ويشقى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (آل عمران: 191).

وأي عاقل يحلق بفكره في أجواء هذا الكون، وينطلق في رحاب هذا الوجود البديع، ويرتاد الآفاق البعيدة متأملا معتبرا، ثم لا يؤمن أن وراء هذا الوجود خالقا مدبرا وصانعا حكيما، ثم لا يلتزم الجادة، ويستقيم معها مدى العمر ويحاول دوما أن يكون منبع خير ونفع وصلاح.

ومقاصد القرآن [الكريم] تستهدف الإنسان في هذا الكون، تستهدفه في علاقته بخالقه، وعلاقته بأخيه الإنسان، وعلاقته بالكون، وعلاقته بنفسه – إن صح التعبير- كما تستهدف مصيره في الحياة الباقية بعد هذه الحياة القصيرة المحدودة.

هذا بإيجاز وإجمال، أما بشيء من التفصيل الذي أرجو أن لا يضيق به هذا الوقت، فأول مقاصد القرآن [الكريم] العقائد، وما يتعلق بها من أصول الدين، كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار، والحشر والنشر والثواب والعقاب، وقد جاء ذلك كله في أسلوب محكم وآيات مفصلات كقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (الْإِخلَاص:1) {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الحديد: 3) {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} (البقرة:285).

وقد عني القرآن الكريم بالعقائد عناية لا نظير لها، لأن العقيدة الصحيحة إذا تمكنت من القلب والوجدان، وامتزجت بالروح، بسطت نفوذها على الجوارح كلها، وكان لها تأثير على سلوك الإنسان وأخلاقه، وبذلك يتحقق له كماله الروحي، الذي يجعله يعلو ولا يسفل، وينفع ولا يضر، يصلح ولا يفسد، يبني ولا يهدم، يعمر ولا يخرب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير