تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وخامس مقاصد القرآن الكريم الأخلاق والآداب: وأخلاق القرآن الكريم مستمدة من العقيدة، ولذلك كان لها من العمق والثبات والرسوخ ما كان للعقيدة، فليست أخلاق القرآن الكريم نظريات فلسفية أو مصطلحات علمية تحفظ ويتشدق بها في الأندية والمجامع، بل هي نور يحيا مع الوجدان والمشاعر، وتلتقي نع منطق الفكر، وسماحة الفطرة.

واتصال أخلاق القرآن الكريم بالعقيدة يسمو بها إلى أعلى، ويمنحها روح التجرد الخالص من كل أنواع الهوى، فلا يضّنُ في موطن الجود من يثق أن الله هو الرازق، ولا يحجم في المعركة من يوقن أن الأعمار بيد الله، ولا يكتم الحق من يؤمن أن الله أكبر، وهكذا كل الصفات والأخلاق، تقوم في القرآن الكريم على العقيدة، على صلة المخلوق بالخالق، ثم على صلات العباد بعضهم مع بعض.

وقد أهتم القرآن الكريم اهتماما كبيرا بالأخلاق، لأنها ينابيع القوة، وعماد حياة الأمم، فإذا فسدت أختل نظام الحياة، وانحطت الأمة، وتحللت وتلاشت، وكم أمة بادت وطويت صفحتها ولم يكن ذلك لضعف قواها الحربية، ولا لنقص مواردها المالية ولا لقلة عددها، وإنما لانحطاط أهلها، وفساد أخلاقهم، ويكفي الأمة الإسلامية فخرا وشرفا أن منهجها في الأخلاق كتاب الله، وأن قدوتها فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لخص مهمته في قوله: " إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأخلاق " [البيهقي في سننه الكبرى، والقضاعي في مسند الشهاب، والحاكم في المستدرك وصححه على شرط مسلم ووافقه الإمام الذهبي]

وحسبنا في هذا المقصد، أن نقرأ القرآن [الكريم] لنرى مبلغ عنايته بالأخلاق حتى أن شرائعه كلها بمثابة الدرجة العملية لتمكين أسباب الخلق وإشاعة روح الحب والرحمة في الجماعة الإنسانية.

وسادس المقاصد الإنذار والتبشير: وهذا في آيات كثيرة موزعة في مختلف سور القرآن [الكريم]، ذكر فيها ما أعده للكافرين من العذاب المهين، وما أعده للمؤمنين من النعيم المقيم.

وسابع المقاصد المواعظ والإرشاد: ونجد هذا في الآيات التي تشتمل على الحكم والأمثال، وهي كثيرة كقوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه} و {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} و {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} و {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا َوهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} و {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}.

تلكم سادتي ابرز مقاصد القرآن [الكريم] بإيجاز فرضه ضيق الوقت عند الإعداد والتقديم، ويعجز اللسان والقلم في وصف ما أحدثه القرآن [الكريم] بمقاصده هذه من التحولات العجيبة المدهشة في الأمة العربية، وفي سائر أنحاء المعمورة.

ولو قدر لأحد منا أن يرى الجزيرة العربية قبل أربعة عشر قرنا، فماذا يرى؟ وماذا كان يتوقع لهذا الجزء من العالم؟

إنه يرى قبائل منتشرة فوق رمال الصحراء القاحلة، قد طغت عليها الجاهلية فسلختها من إنسانيتها، فكانت من العقائد في غواية، ومن الأخلاق في همجية، ومن الدين في وثنية، ومن العادات في وحشية، ومن الاجتماع في انقسامات وتحزبات، وكانت جميع معالم الحياة تنذر بسوء المصير، ولم يكد ينزل القرآن الكريم وينادي فيهم بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [(يونس: 57)] حتى لانت النفوس وتفتحت القلوب وانشرحت الصدور، وتوحدت الصفوف، وأقبلوا على القرآن [الكريم] يحفظونه، ويتأملونه ويتدبرونه، ويغوصون على ما فيه من حقائق وذخائر وأسرار، ويطبقونه على أنفسهم وعلى ذويهم بدقة، فأحدث فيهم ما بهر العقول، وحير النفوس، وظل عبر التاريخ أنشودة كل لسان، وشغل كل فكر وقلم، وسيظل كذلك ما دامت الحياة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير