تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم انتقل إلى موضوع دهشة الأولين الذين قهرتهم عبقرية النبي الأمي وقرآنه فقال: " إذا قام بيننا البناء والحداد ينظمان القريض الجيد أعجبنا حسن القصيدة من جهة، وغرابة المصدر من جهة أخرى، لأنهما عاملان أميان لم يأخذا من الدراسة والكتابة حظًّا .. ". فمحمد الأمي الخاطب بآية: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [(العنكبوت:48)].

ربيب البادية، وخريج حي بني سعد، ينهض في أم القرى بدعوى نسخ الأنظمة، وتعديل الشرائع، وإصلاح العالم ... هذا من جهة، ومن جهة أخرى: إنه أفنى قواه في معارضة أقوام سفلة، وكابد الأذى والأسى من الأفواه والأيدي، وقضى حياته في إدارة الحروب والمغازي، وهو ما بين هذه وتلك يأتي بكتاب يعجز عن مباراته بلغاء عصره ونوابغ دهره، رجل كذلك لابد وأن يدهش الناس أمره وحق لهم أن يندهشوا لأن الرجل الأمي قد يفوز بالعبقرية ولكن عبقريته لابد أن تتجه إما إلى ميادين الحروب فيكون من عظماء الفاتحين، أو تتجه إلى أندية الرأي ومجالس الشورى فيكون من كبار الساسة والدهاة ... أما أن يجمع الحسنيين ويضيف إليهما نبوغًا في العلم، ونبوغًا في التشريع والقضاء، ونبوغًا في جذب عواطف الخاصة والعامة، فلم يسمع به التاريخ، ولم يسمع به الزمان ... وربما عد الفن وجوده ضربًا من المحال ... إذن فالدهشة طبيعية لدى مشاهدة بطل كهذا ..

بطل في العلم والنظم ..

بطل في السياسة والفلسفة معًا ..

بطل في الإدارة وفي قيادة الخاصة والعامة جميعًا ..

بطل في التشريع والتنفيذ حتى على نفسه وأهله ..

بطل في كل ذلك، ثم هو فوق ذلك أمي غير متعلم ..

وأكثر ما يعجب فيه: أنه لم يتخصص بفن واحد من الفنون، لا في ألفاظه ونظمه. ولا في معانيه وحكمه. فبينما نراه يتصدر ببلاغة عجبي، وأمثال عذبي، إذا هو يجري في ميدان العلم أو مضمار الفلسفة فيبدي من أسرار الطب والطبيعة وكائنات الأرض وكامنات السماء ونواميس الكون مالا تفي بشرحه الصحائف مما نطق به أمس وانكشف سره اليوم ... والحالة أنه لم يك يملك شيئًا منها يوم أخبر عنها ..

ثم نراه خائضًا في تاريخ القرون الخالية والأمم البائدة، غير مستند على آثار أو أسفار، ثم تأتي في الحفريات والأثريات مصدقتين له وشارحتين إياه، بعد قرون وأجيال ... وكذلك نراه يسن نظامًا، وينسخ أحكامًا، غير مستند في ذلك إلى مشورات أو مؤتمرات، ولكن الظروف الأخيرة، والتجارب المتعاقبة، ومؤتمرات عصورنا الحالية تذعن له، وتعلن اتفاقًا معه. ذلك عدا الأنباء الغيبية عن أحوال أفراد وأقوام هي والله بواعث الإعجاب والدهشة العامة التي اعترت وتعتري الناس من عرب ومستعربة .. كلما تلوا القرآن [الكريم] أو تليت عليهم آياته، وفسرت بيناته ... وسنتناول في نظراتنا الثانية أسس إعجاز القرآن [الكريم].

قال: رأينا في نظراتنا السابقة نموذجًا شائقًا من التفكير والتحليل في أسلوب عصري سائغ، جرى به قلم العلامة " هبة الدين الحسيني الشهر ستاني " تمهيدًا لبحثه في القرآن " [الكريم] .. يبدأ علامتنا تحليله بسؤاله: هل تحدى الرسول - صلى الله عليه وسلم- بالقرآن [الكريم]؟ .. ثم يقول: " صدور التحدي من الرسول لأهل الصنعة أساس ينبغي ثبوته قبل أي شيء آخر، ويتبع هذا بشواهد الآيات الناطقة بالتحدي، ومنها هذه الآية: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [(البقرة:23)]

ولكن فصحاء العرب أعرضوا عن هذا التحدي المتكرر، وأحجم أبو سفيان عن تجنيد جيش من شعراء الجزيرة وأدبائها لمعارضة القرآن [الكريم]، بل جد في تأليف جيش من عشرة آلاف مقاتل يخاصم النبي [صلى الله عليه وسلم] وحزبه ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير